رحلة في أعماق ولاية..
> من دون المشاهدة والمعايشة، كان من الصعب إجراء تقييمات أكثر دقة لأداء حكومة ولاية الجزيرة وواليها محمد طاهر أيلا، حتى أتاحت لنا ذلك، فرصة الدعوة التي قدمها الأخ العزيز والصديق المحب الأستاذ ضياء الدين بلال رئيس تحرير الزميلة «السوداني» لزيارة مدينته وموطنه المناقل، مروراً بعاصمة الولاية ودمدني ولقاء واليها ثم الانتقال برفقته وحكومته إلى عمق الجزيرة وتحسس أوضاعها عن كثب في رحلة استغرقت بنا من الخرطوم حتى العودة ثمانية وعشرين ساعة (يومي الجمعة والسبت) الماضيين، وهناك ما هو أكثر أهمية في أداء السيد أيلا وحكومته، فليس بالطرق والمرافق الخدمية والساحات والميادين ووجه الحياة المدني الذي عم مدن الولاية، هو الأبرز والأهم، فالروح الجديدة التي تسري في أوصال واحدة من أهم ولايات السودان، والتحولات الكبيرة في إنسان الولاية ومفاهيمه ووعيه بقضاياه واستعداده لتغيير حياته وصناعة مستقبل مشرق، هي أبرز ما وجدناه في الولاية، وهي متخمة بما أنجز في المجالات العامة الظاهرة للعيان والشاخصة في ليل ود مدني الصاخب من بعد خمول. > لم نتوقف فقط عند إجابات الوالي في جلسة ليلية على ضفة النيل الأزرق، ناقشاه فيها عن كل شيء وأي شيء في ولايته، نزعنا بأسئلتنا غلالات سميكة وشفافة كانت تغطي كثير من الحقائق، والفيناه في عمق الحقيقة يضع الإجابة حيث موضع التساؤل دون تكلف أو اصطناع، أما التوقف الحقيقي والنظر الدقيق بعد طرح الإنسان وقفناه بجدارة عند أجوبة المواطنين وآراءهم وانفعالاتهم بما يجري في ولاياتهم، وأمل مشبوب يضج في نفوسهم بالمؤشرات الساطعة أمامهم وبينهم بتقدم ولايتهم في مضمار التنمية والخدمات والنهضة والبناء السياسي المرتكز على تلبية قضايا الناس ومساندة غمارهم. > في رحلتنا من مدني الى المناقل و24 القرشي والكريمِت وكثير من القرى التي مررنا عليها، ثم العودة للمناقل مرة أخرى المقيل بها حتى الرجوع ليلاً إلى الخرطوم، تجلت بصورة واضحة أزمة الريف السوداني وعجز الحكومات منذ الاستقلال عن تطويره، فهذا الريف المنتج بأرضه الولود وبراريه الشاسعة خاصة في مناطق مشروع الجزيرة والمناقل، كان يمكن أن يكون أكثر تقدماً وثراء وغنى، فالطرق وخدمات المياه والصحة والتعليم والكهرباء، جعلت التخلف التنموي عائقاً أمام تحديث وتطوير الحياة في أجزاء شاسعة من هذه الولاية صاحبة الفرص الأكبر بين كل ولايات السودان.. > يتلوى طريق مدني المناقل كأنه يئن مثل المسافرين عليه من وعثاء السفر وضيق مساره وكثرة السيارات والشاحنات عليه، والقرى الظامئة التي يحاصرها البعوض والعسرة طيلة السنوات الماضية تشرئب بأعناقها كأنها تبحث عن مآب لفقيد آتٍ، وكل شيء يشير إلى أن تحديات التنمية الريفية وتمدين القرى والوحدات الإدارية وعواصم المحليات ونشر المرافق الخدمية، هي ما يجب أن تنشغل به حكومة الولاية، ونظنها مشغولة به، لأن هتافات المواطنين في كل مكان وقفنا فيه أو كل نجع وممر عبرنا منه وجدنا تجمعات عفوية من الناس، أما تنتظر أو ترفع أياديها أو لافتات من قماش أُعدت على عجل حملت عبارات الترحيب والتقريظ لإيلا.. > قضايا الناس وخدمتهم، هي كلمة السر وشفرة الطلسم التي حصل عليها الوالي، وحولها إلى برامج وعمل دؤوب وإنجازات على الأرض، دون أن يبعده ضجيج السياسة وخطبها وهتافياتها عن مساره، وذاك سلوك لو اتبعته كل الإدارات المحلية والحكومات الولائية، لاستطاعت في فترة وجيزة أن تحقق ربما أكثر من الذي حققه والي الجزيرة في جزيرته. ففي كل ولاية تجد هناك مجموعات غاضبة «لا يعجبها العجب و لا الصيام في رجب»، لكن لا نذكر أننا قابلنا في الأسواق وإستاد المناقل وفي الطرق والمساجد والأماكن والمواقع التي زرناها من يتحدث بمرارة أو يشيح بوجهه غضوباً يلعن حكومة الولاية ويصليها شواظاً من نار القدْح والنقد.. > الفرصة أمام حكومة ولاية الجزيرة، أن تقدم أنموذجاً بين كل ولايات السودان، في كيفية المزاوجة ما بين الخدمي والتنموي من جهة، والسياسي من جهة أخرى. فالسياسة في جوهرها هي خدمة الناس وإدارة شؤونهم بكياسة وحذق، وترتفع وتيرتها عندما ترتبط بالثقة والاطمئان من المحكوم تجاه الحاكم، فأيلا الذي حضرنا تكريمه من مؤسسة الموردة للتربية وهي من أعرق الأندية الرياضية والتربوية في المناقل واحتشاد القيادات في بيت الأخ ود الضرير وفي منزل أسرة صديقنا ضياء الدين، عليه تحمل مسؤولية القضية، فالجماهير التي تهتف له وتناصره تضع على عنقه أمانة كبيرة وعبء لابد أن يكون قدره..