هل كان على السودان أن يشترى حلايب؟
وقعت جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية نحو احدى وعشروعا اتفاقا اقتصاديا واستثماريابمئات الملايين من الدولارات .. ومذكرات تفاهم فى عدد من المجالات تشمل الكهرباء والاسكان والطاقة النووية والزراعة والتجارة والصناعة واتفاقية اخرى لبناء جسر برى يربط بين البلدين عبر البحر الأحمر كمنفذ لمشروعات البلدين المستقبلية وانشاء بنك سعودى مصرى للاستثمار براسمال مبدئى قدره مليار دولار .. كما بحثت الاتفاقيات مسألة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
بعد التوقيع على هذه الصفقات التجارية الضخمة بين البلدين اعترفت مصر بحق السعودية فى ملكية الجزيرتين تيران وصناقير .. بينما انبرى الاعلام المصرى بصورة مكثفة ومرتبة ومخطط لها باتقان مدافعا عن تبعية الجزيرتين للمملكة العربية السعودية بصورة أكبر من دفاع المملكة عن حقها فى الجزيرتين.. بل أن الموضوع أصبح الشغل الشاغل لبعض القنوات الفضائية التى جعلت من هذ الآمر مادة دسمة وعملا أخلاقيا من الواجب أن تتصدى له تبرئة لذمتها وتحقيقا للعدالة والاحتفاظ لمصر بعلاقة متميزة مع شقيقتها المملكة .. فقد اعتمدت هذه القنوات فى دفاعها عن هذه المسألة على مستندات الدولة نفسها و ابرزت من المستندات ما يؤكد صدق ماسعت وعملت اليه.. وعلى صعيد آخر شهدت مصر احتجاجات شعبية على ما اعتبروه تنازلا من السلطات المصرية عن الجزيرتين ومنعت السلطات الامنية عدد من المظاهرات الاحتجاجية فى عدد من الجامعات .. وأعتبر قانونين أن الاجراء يتعارض ونصوص قانونية .. وذهب آخرون للقول بأن الحكومة المصرية قد باعت الجزيرتين .. فى حين وصف اعلام السلطة المناوئين للقرار بأنهم أعداء مصر.
ما يهمنا فى الأمر وما نستغرب له حقيقة أن الخريطة التى اتخذتها مصر واعلامها فى الدفاع عن جزيرتى تيران وصناقير هى نفس الخريطة التى توضح وبجلاء وقوع منطقتى حلايب وشلاتين فى الاراضى السودانية .. وفى ظننا أن الأمر ماكان يصل بين مصر والسودان الى مرحلة التشدد و القطيعة .. بل الفتنة فى أمور بائنة ولاتحتاح لكثير اجتهاد لأن ما بين مصر والسودان أكبر من كل المصالح الدنيوية .. فما يجمع بينهما يدخل فى اطار الترابط الازلى والوشائج الروحية التى لاانفصام لها وان أراد لها البعض ذلك .. مصر والسودان وجهان لعملة واحدة وتوأم من رحم واحد لايفترقان.. هما كما الروح والجسد كالنهر والنخلة .. لكنى أخشى أن تكون المصالح المادية قد انغرست فى اعماق هذه العلاقة المتميزة وأفسدت للود القديم قيمته الحضارية والاخلاقية .. فدفاع مصر عن حق السعودية فى الجزيرتين وبهذه الصورة يجعلنا نذهب الى افتراضات نامل ان لاتكون صحيحة وهى ان تاثير هذه المشروعات الضخمة التى تبنتها المملكة فى مصر احدثت فعل السحر فى تهذيب وترتيب وتطويق هذه العلائق بروابط المنفعة الدنيوية ومن بعد بوشائج من المودة والتسامح والتسامى يسمح بتمهيد الطريق ودون عوائق للعبوروالاستجمام على الوسائد والفرش المخملية التى تتيح للعلاقات بين الدولتين انجاب المزيد من المواليد النابهين المترفين.
السودان المسكين الصابر المحاصر بكل اشكال وأنواع الأزمات والذى برغم ذلك مد كل أزرع الخير والوفاء للمملكة .. وللشقيقة مصر هل كان مطلوبا منه أن يشترى حلايب.
عبدالروؤف بابكر المهدى
صحيفة ألوان