النساء في معتقلات مصر.. الخوف اليومي وحلم رؤية الشمس
لم يعد غريباً في مصر مشهد الفتيات وهن بأثواب السجن البيضاء داخل سيارات الترحيلات الحديدية شديدة الحراسة، بينما عشرات الأهالي يفترشون أرضيات الشارع المقابل للمحكمة، في انتظار محاكمة بناتهم.
ورغم أن عدد المعتقلات تقلص كثيراً ليصل إلى 54 معتقلة فقط حتى كتابة التقرير، فإن العدد لا يزال قابلاً للزيادة مع كل تطور سياسي قادم.
ملف النساء المعتقلات في مصر، ما زال حاضراً، وحكايات الاعتقال وقصص التعذيب والانتهاكات المتكررة لا تزال محفورة في ذاكرة هؤلاء النساء.
نهاية حلم الهندسة
“إسراء فرحات”، ألقي القبض عليها مع 12 فتاة أخرى أثناء مسيرة في أحد مراكز محافظة دمياط في الخامس من مايو/ أيار 2015.
“نهى” شقيقتها تحكي لـ”هافينغتون بوست عربي”، أنهما خرجتا في تظاهرة وكان بحوزة إسراء كتبها الدراسية، إذ كانت تستعد لدخول امتحان الثانوية العامة بعد شهر واحد، وعندما هاجمت قوات الأمن المسيرة تفرق الجميع، “لم أعثر عليها ووجدت كتبها وأوراقها مبعثرة في الشارع”.
وتكمل نهى “بقينا لثمانية أيام لا نعرف مكانها، حتى اكتشفنا أنها محتجزة، ثم تم ترحيلها مع باقي المعتقلات إلى سجن بورسعيد العمومي.
وجهت النيابة للفتيات تهم الشروع في قتل 22 من قوات الأمن، والانضمام لجماعة محظورة ومحاولة قلب نظام الحكم٫ وترويع الأمن واستعراض القوة.
ولم تتمكن إسراء بالطبع من دخول الامتحان، وضاعت عليها السنة، وكذلك حلمها في الالتحاق بكلية الهندسة ذلك العام.
وتضيف شقيقتها “هي الآن تذاكر فقط بإلحاح مني، بينما لا تساعدها ظروف السجن نهائياً، فالأوراق يتم بعثرتها والكتب تفتش كأنها ممنوعات والمضايقات الدائمة من المسجونات الجنائيات لا تتوقف، أختي تغير شكلها كأنها كبرت 10 أعوام”.
سماح وذكريات سبعة أشهر من الاعتقال
“إدارة صفحة على فيسبوك، والتجمهر، وترويع الآمنين”.. اتهامات طالت “سماح أحمد” في قضية سابقة سميت بقضية “فتيات المطرية”.
سماح التي خرجت من السجن قبل حوالي العام، بعد أن قضت سبعة أشهر قيد التحقيق والاعتقال وغرمت 10 آلاف جنيه، تحكي عن تجربة سجنها التي تراها أكثر رحمة من فتيات أخريات رفضن أن يحكين تجربتهن خوفاً وخجلاً.
تقول إن القبض عليها تم أثناء مسيرة بمنطقة عزبة النخل في منتصف مايو/أيار 2014، إذ أصيب أحد المشاركين بخرطوش في صدره، فأخذته وصديقة لها إلى مستشفى المطرية، وكانت هناك نقطة شرطة داخل المستشفي، وبمجرد وصولهما مع المصاب تم القبض عليهما.
وعما تعرضت له من انتهاكات أثناء الاحتجاز وفي السجن، تتذكر وتقول “وضعونا في غرفة الحجز التي لا تزيد مساحتها عن متر ونصف في متر، وكان بها 3 متهمات جنائيات، سرقن كل متعلقاتنا قبل أن نصعد لحجرة التحقيق”.
استمر التحقيق مع الفتاتين 8 ساعات، مع التهديد والإهانات اللفظية، وانتقلت الفتاتان إلى سجن القناطر بعد طلبات تدخل المحامين والشكاوى، لم يكن الوضع أفضل.
وتقول “اعتدت إحدى السجانات بالضرب والسحل على طبيبة معتقلة، مما أثار ضيق باقي المعتقلات، فما كان من إدارة السجن إلا أن أطلقت علينا الجنائيات لعقابنا. وتم ضربنا وحرماننا من الخروج بخلاف التفتيش الدوري والإهانة والاستيلاء على متعلقاتنا”.
الزيارة والنور والشمس.. أحلام صعبة
تتضمن مطالب أهالي الفتيات المعتقلات، وضع الفتيات في مكان مستقل بعيداً عن الجنائيات، والسماح بإضاءة النور بعد العاشرة مساء لتتمكن الفتيات من المذاكرة، وزيادة مدة الزيارة الأسبوعية عن نصف ساعة أسوة بالجنائيات، وأخيراً السماح لهن بالخروج من الزنازين للتريض والتعرض للشمس.
الخوف بعد الخروج من السجن
شهور أو سنوات الاعتقال تترك ندوباً لا تلتئم بسهولة، حتى بعد الخروج للحرية، كما تقول الدكتورة “ماجدة عدلي” مدير مركز النديم لعلاج ضحايا العنف.
فمن من واقع خبرتها مع مئات المعتقلات، ترى أن اعتقال النساء أصبح ظاهرة بعد الثورة وتجاوز كل الخطوط الحمر من منتصف 2013، ومنذ اللحظة الأولى للقبض عليهن يتعرضن لانتهاكات مختلفة أقلها التحرش أو التهديد به، كما يهددون به أهلها ويبتزونهم، وأذكر أن ولداً قاصراً اعترف على نفسه بالقتل ليخرج أمه من الحبس بعد أن هددوه بالاعتداء عليها.
الجانب الآخر من أزمة الفتيات النفسية أنهن يخجلن أن يحكين لأهلهن عما حدث معهن وبالتالي تتضاعف المعاناة.
تجاهل من منظمات حقوقية
وينتقد “تامر علي” المحامي بمركز هشام مبارك لحقوق الإنسان، تجاهل بعض المنظمات النسوية لقضية المعتقلات خاصة المنتميات للتيار الإسلامي، ويقول “عندما بدأنا عمليات طرق الأبواب للمنظمات الحقوقية المهتمة بملف المرأة، رفضن التضامن معنا، بل إن إحدى المنظمات الشهيرة رفضت التعامل مع الملف؛ لأنها مهتمة فقط بالتمكين والتثقيف السياسي للمرأة”.
فبات الملف محصوراً بين “مركز هشام مبارك” و”مركز النديم” و”المبادرة المصرية” و”التنسيقية المصرية للحقوق والحريات”، ويضيف “وما نفعله جميعاً لا يزيد عن متابعة القضية والتعريف بها مع الضغط لتحسين ظروف الاعتقال”.
المعتقلات في أرقام
حسب آخر تحديث أصدرته التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، والتي تمثل تجمعاً لعدد من المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان في مصر، فإنه منذ 3 يوليو/تموز 2013، تعرضت حوالي1993 امرأة وفتاة للاعتقال من قبل قوات الأمن، منهن قاصرات لم يتخطين الثامنة عشر.
من بين المعتقلات اشتكت 72 منهن التعرض للاغتصاب والتحرش، و304 لانتهاكات عامة، و526 تم فصلهن من الجامعة، و111 حالة اختفاء قسري مؤقت، وحوالي 11 حالة اختفاء قسري دائم، و248 حكم عليهن إما بالسجن أو الغرامة وبلغت قيمة الكفالات حوالي مليونين و208 آلاف جنيه.
ويشير “أسامة ناصف” المحامي الحقوقي، إلى أن أغلب المعتقلات خرجن، ولم يتبق سوى 53 معتقلة قيد المحاكمات على حد قوله، منهن 24 أمام القضاء العسكري، و21 من الأمهات و8 قاصرات.
ويفسر ناصف انخفاض العدد خلال العام 2016، بأن المئات من هؤلاء النساء تم إلقاء القبض عليهن فقط للضغط على آبائهن أو أزواجهن المطلوبين في قضايا سياسية لتسليم أنفسهم، أو لمجرد العقاب على المشاركة في المسيرات والرغبة في تأديبهن، وهي سياسة تمثل خرقاً كبيراً لكل مواد القانون والدستور في التعامل الأمني، على حد قوله.
وتحتل القاهرة المركز الأول في عدد الفتيات المعتقلات بواقع 20 معتقلة، تليها محافظة دمياط بـ10 معتقلات، ثم الدقهليه وفيها 8 معتقلات، والجيزة 5 والإسكندرية 3، والباقون في بني سويف والإسماعيلية وسوهاج والفيوم ومحافظة الشرقية.
أرقام
تحتل القاهرة المركز الأول في عدد المعتقلات بـ20 معتقلة
ثم دمياط بـ10 معتقلات
والدقهلية 8 معتقلات
ثم الجيزة 5 معتقلات
الغربية 4 معتقلات
والإسكندرية 3 معتقلات
ثم بني سويف والإسماعيلية وسوهاج والفيوم والشرقية
huffpostarabi