محجوب عروة : الجنيه والدولار وأزمة اقتصادنا -١-
للمرة العاشرة وأكثر يواصل صناع القرار الاقتصادي المالي والنقدي متمثلا في محافظ البنك المركزي ووزير المالية أوهامهم بأنهم يتوقعون ليس مجرد انخفاض وتراجع سعر الدولار أمام الجنيه السوداني بل يعدون باستقراره والسيطرة على تدهوره، وكان آخر تصريح بذلك للسيد عبد الرحمن حسن محافظ بنك السودان أمس للصحف مؤكداً ضخ كميات وصفها بالمقدرة من النقد الأجنبي للصرافات اضافة لتغطية احتياجات رمضان، وكذلك لتوفير كل إحتياجات الموسم الزراعي الحالي والموسم الشتوي القادم وكل السلع الأساسية(!!؟؟)
وقبل أن أتناول بالبحث والتحليل الأسباب التي أدت الى ماحدث لعملتنا الوطنية من تدهور وكذلك اقتصادنا الذى يترنح الآن ومحاولة النظر لكيفية الخروج من ذلك ومناقشة تلك المبررات الواهية التي ظل يطلقها صناع السياسات والقرارات الاقتصادية خاصة المالية والنقدية والإئتمانية والزراعية والصناعية والتجارية والاستثمارية ليسمح لي القارئ ولعموم الفائدة من منطلق منهج علمي وموضوعي ان أستعرض تاريخياً التخفيضات التي حدثت للجنيه السوداني وتدهوره منذ أول تخفيض له عام ۱۹۷٦ وذلك حين منح المصدرين حافز خمسة قروش على كل دولار صادر بهدف تشجيع الصادرات حيث ارتفعت قيمة الدولار مقابل الجنيه من ۳٤٫۷ قرشا الى ۳۹٫۷ قرشا، تلاه ثانى تخفيض رسمي في سبتمبر ۱۹۷۹ استيراد برفع سعر الدولار الى ۸۰ قرشا حين اعتمدت سياسة السلع بدون تحويل قيمة ( نل فاليو) ولكن تم الابقاء على السعر الرسمي كما هو لاستيراد السكر والمحروقات والدقيق. ثم كان ثالث تخفيض رسمي في ابريل ۱۹۸۲ برفع سعر الدولار الى ۹۰ قرشا فارتفع سعره الموازي (الحر) الى ۱۳۰ قرشا. وكان رابع تخفيض في فبراير ۱۹۸٥ برفع سعر الدولار الى ۱۸۰ قرشا فوصل سعره الموازي الى أربعة جنيهات، وخامس تخفيض رسمى عام ۱۹۸٦ الى ۲۰۰ قرشا(اثنين جنيه) ثم حدث تعويم للسعر الحر عام ۱۹۸۸ فرفع السعر الرسمى للدولار الى ٤٥۰ قرشا وارتفع السعر الموازي الى ۱۲٫۱۳ جنيها، ولكنه زاد الى أربعة عشر جنيها وبعدها حدث انقلاب الانقاذ في عام ۱۹۸۹ حيث رجع سعره الى ۱۲٫۱۳ جنيها ربما بسبب التغيير وحدوث تفاؤل مؤقت بان الوضع الاقتصادى سيتحسن وسيستقر الجنيه وربما يقوى الجنيه سيما وقد صاحب ذلك تفاؤل وتصديق صاحبه قدر من الصرامة والوعود في تصريحات الحكومة الجديدة وربما الرهبة الأولى في أي تغيير سياسي بطبيعة الحال خاصة بعد الاعدام لبعض الذين يحوزون الدولار مثل المرحوم مجدى وغيره من المظاليم في اموالهم وقد ظهر ذلك جليا في التصريح الشهير والطريف لأحد اعضاء مجلس الثورة بانه لولا الانقاذ لوصل الدولار الى ۲۰ جنيها!!
أما سادس تخفيض رسمى ففي فبراير ۱۹۹۲ ارتفع فيه الدولار الى ۱٦ جنيها فارتفع السعرالحر الموازي الى ۱۸ جنيها وسابع تخفيض رسمي في ديسمبر ۱۹۹۲ الى ۲٥ جنيها فارتفع الموازي الحر الى ۳۲ جنيها. وتواصل مسلسل الارتفاع الرسمي عام ۱۹۹۳ الى ٥۰ جنيها وسعر الصادر الى ۸٥جنيها ووصل الموازي الحر الى ۱٦۸جنيها وواصل الانخفاض في الأعوام۱۹۹۳- ۱۹۹٥ ليصل الرسمي الى ۷٥جنيها والصادر ۱۰٥جنيها والسوق الموازي الحر ٥۰۰جنيها. وخلال الفترة ۱۹۹٦ حتى نهاية ۲۰۰۲ واصل انخفاض الجنيه الى ۱۳۰۰ للدولار الرسمى و۱۸۱۰ جنيها جنيها للصادر والموازي الحر الى۲٦٥۰جنيها وظل هكذا حتى عام ۲۰۰۳ وبعده في الأعوام ۲۰۰۳ الى ۲۰۰۹ ظل السعر الرسمي للدولار ۱٤۸۰جنيها والصادر۱۸۱۰جنيها والموازي ۲۰۰۳جنيها ، ومن العام ۲۰۰۹ حتى۲۱-٥-۲۰۱۲، قفز السعر الرسمي الى ٥٦۰۰جنيها وفي الموازي الى ٦٦٥۰جنيها ثم واصل بعده واستقر لفترة في ۸۲۰۰جنيها.. وفي منتصف عام ۲۰۱٤ وصل سعر الدولار الموازي الى ۹٥۰۰جنيها وبعده بدأ مسلسل جديد في الانخفاض حتى اليوم فوصل الى ۱٤۳۰۰جنيها رغم تصريحات واهمة للمسئولين عن الاقتصاد وزاد الرسمى الى ٦٥۰۰جنيها ومازال وترك عائد الصادر الى التفاوض في سعره مع المستوردين بعد خصم۱۰٪ خصص لاستيراد الأدوية ومدخلاتها.. كما اعيد مؤخرا العمل بنظام الاستيراد بدون تحويل قيمة ( نل فاليو) مثلما حدث عام ۱۹۷۹ ثم طبق لفترة ثلاثة أشهر فقط للمغتربين وحدهم عام ۱۹۹۰. ( المصدر كتابى: وهم الفقر، الاعلام الاقتصادى وأثره على الاقتصاد السودانى).