تحقيقات وتقارير

سرقة السيارات.. الإهمال يغري ضعاف النفوس!

ادى انتشار سرقة السيارات في الاونة الاخير الى ظهور انماط وحيل جديدة برع فيها المجرمون في طرق السرقة واختيار التوقيت المناسب لها، ويسهل عليهم في ممارسة هذا النشاط الاجرامي عدد من الأسباب من بينها إهمال قائد السيارة في تركه سيارته قيد التشغيل وهي مفتوحة الى جانب براعة اللصوص، في اختيار سيارات معينة تخصصوا في فتحها بطرق متعددة.

“الرياض” استطلعت آراء عدد من المختصين للوقوف على الأسباب والدوافع لانتشار هذه الظاهرة وآليات الحد منها.

حب التملك

أشار أحمد الحازمي – مختص نفسي – ل “الرياض “إلى ما يسمى بالعقل الجمعي، مضيفا: نقصد به الهموم المشتركة لدى فئات الشباب السعودي وتعد السيارات أحد أكثر اهتمامات الشباب وأكثرهم يتمنى امتلاك سيارة من أي نوع وبالتالي ترتفع القيمة المعنوية في العقل الجمعي لدى الشباب فالسيارات لديهم ليست للمواصلات فقط وإنما تستخدم لأغراض تشبع الحاجة النفسية لديهم للشعور بالرفاهية والمباهاة بين بعضهم البعض فيتكون الدافع النفسي لديهم لامتلاك سيارة بالطرق غير المشروعة، وعند غياب العقوبات الرادعة من الجهات التي تحارب انتشار ظاهرة السرقة يكون الدافع أقوى كما نلاحظ سرقة أدوات التجميل والاغراض النسائية عندما نتناقش مع اصحاب المحلات النسائية.

أركان السرقة

أوضح عمر حدادي – محام – ل “الرياض” بأن السرقة هي أخذ ما ليس له وأخذه في خفاء، وفي الاصطلاح الشرعي كما عرفها البهوتي بأنها أخذ مال محترم لغيره وإخراجه من حرز مثله لا شبهة له فيه على وجه الاختفاء، مضيفا: تتحقق جريمة السرقة بأركان ثلاثة، الركن الأول فعل السرقة، ويقصد به أخذ المال على وجه الاختفاء، أي أن يأخذ الشيء دون علم المجني عليه ودون رضاه، ولثبوت هذا الركن يجب أن يتوافر له شرطان وهما أن يتم الأخذ خفية واستئثاراً لا اختلاساً أو غصباً حتى يتم القطع، وأن يتوافر القصد الجنائي والنية، أي أن يتعمد السارق اخذ الشيء، أما الركن الثاني فهو السارق نفسه، فيجب أن يتوافر فيه عدة شروط حتى تكون جريمة السرقة تامة وهي أن يكون مكلفاً أي بالغاً وعاقلاً، فلا قطع على المجنون أو الصبي، وأن يكون عالماً بالتحريم وملزماً بالأحكام، فإن كان جاهلاً عذر لجهله واعتبر ذلك شبهة تدرأ عنه الحد، وألا يكون مكرهاً أو مضطراً في مجاعة أو نحوها وأن تنتفي الشبهة في القطع، بحيث لا يكون السارق أصلاً للمسروق منه وأن علا أو فرعاً منه وأن نزل، أما الركن الثالث فهو المسروق ويجب أن تتوافر أيضاً عدة شروط حتى تكون جريمة السرقة تامة وتستوجب القطع كما نصت على ذلك الشريعة الغراء، وتنقسم الشروط في هذا الركن إلى قسمين، القسم الأول الشروط المتفق عليها وهي أن يكون المسروق مالاً محترماً، لأن السرقة لا تتصور إلا في المال ويدخل في ذلك سرقة السيارات مثلا فهي مال محترم، وأن يكون المال منقولاً لأن السرقة يترتب عليها نقل المسرق وإخراجه من حرزه، وهذا لا ينطبق على العقارات الثابتة، وأن يكون المسروق مملوكاً للغير وأن يبلغ المسروق نصاباً، مع اختلاف الفقهاء في تحديد النصاب، وهناك شروط المختلف فيها كأن يكون المسروق محرزاً واختلف فيه الفقهاء على قولين، القول الأول وهو ما ذهب إليه الأئمة الأربعة وهو اشتراط أن تكون السرقة من حرز، والقول الثاني وهو عدم اشتراط الحرز واليه ذهب الظاهرية.

العقوبة

وفيما يتعلق بسرقة السيارات، وهل اعتبار وجود السيارة في الطرق والحدائق العامة وغيرها يعد حرزا أم لا، لفت حدادي إلى اختلاف الآراء الفقهية المعاصرة حول ذلك، مضيفا: هناك من ذهب إلى اعتبار السيارة في الطريق العام في حرز، إذا اتخذت وسائل الحماية مثل عدم تركها في وضع تشغيل وغلقها جيداً، باعتبار أن مرد ذلك للعرف استناداً للقاعدة الفقهية العادة محكمة وقد تعارف الناس في عصرنا هذا على إيقاف سياراتهم في الطرق والحدائق العامة وغيرها وأما الرأي الآخر فلا يعد السيارة أنها في حرز إلا إذا كانت داخل المسكن أو مكان خاص يحميها، وهذا الرأي هو ما جاري العمل عليه في اغلب الأحكام القضائية المتعددة، ومع أن ثبوت السرقة – طبقاً لهذا الرأي – فإن كان يسقط الحد، فلا يمنع من تعزير السارق بالجلد أو السجن أو غيره.

وأشار حدادي الى أن العقوبة الأصلية للسرقة في الشريعة الإسلامية وهي القطع، وأما العقوبة التبعية وهي الضمان، أي ضمان المال المسروق، وإذا سقطت عقوبة القطع في السرقة لأي مانع أو سبب فإنه يحكم على السارق إذا ثبتت السرقة في حقه، بالإضافة إلى الضمان ورد المسروق يحكم عليه بالتعزير بالجلد، أو التغريب أو بهما معاً، أو بالحبس ويقدرها القاضي ناظر الدعوى، حسب ظروف ووقائع كل دعوى على حدة.

ولفت أن هناك عقوبات مخففة أيضاً وهي الوعظ، والتشهير، والتوبيخ، العزل من الوظيفة، التهديد، المصادرة، وأن الشبهات في جريمة سرقة السيارات خاصةً متعددة ومنوعة، مضيفا: الكثير إن لم يكن أغلبها يدرأ الحد لوجود شبهة، ومن هذه الشبهات، شبهة عدم البلوغ للسارق، شبهة الإكراه والاضطرار، شبهة القرابة، شبهة رجوع المقر أو السارق عن إقراره قبل التنفيذ، والشبهات على الشهادات التي تكون بينة على الجريمة مثل تضارب الشهادات ورجوع الشهود عن بعض شهاداتهم وتقادم الشهادة، شهادة غير المسلم، عدم اكتمال نصاب الشهادة، أو أنهم غير ذكرين، وأن يبلغ المسروق نصاباً، واختلف الفقهاء في تحديد النصاب على قولين، الأول وهو عند الحنفية فالنصاب الموجب للقطع في السرقة هو عشرة دراهم فضة خالصة وهي تساوي ديناراً من الذهب أو ما يساوي قيمة عشرة دراهم من غير الذهب والفضة، أما القول الثاني وعليه جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة وهو أن النصاب الموجب للقطع هو ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الفضة.

أرقام ودراسات

من جهته قال محمد منشاوي – عميد متقاعد – ل “الرياض”: ان الجريمة ظاهرة اجتماعية توجد بوجود الإنسان والمجتمع، وتتطّور بتطورهما، وقد تظهر بين فترة وأخرى بعض الظواهر أو القضايا الإجرامية المزعجة والتي تقلق المواطنين ورجال الأمن على حد سواء، وتتطلب الدراسة والتحليل العلمي لمواجهتها ووضع الخطط الكفيلة بالحد منها، ومن هذه القضايا الإجرامية التي بدأت تزعج الجهات الأمنية والمواطنين والمقيمين على حد سواء، قضايا سرقة السيارات، وهي وإن كانت لم ترق إلى أن تكون ظاهرة إجرامية فضلا عن كونها مشكلة، كونه يمكن القول وبارتياح كبير إلى أن هذه القضايا لا تزال تحت السيطرة الأمنية بفضل الله.

ولفت العميد منشاوي إلى دراسة أجراها حول سرقة السيارات، مضيفا: انطلاقا من هذه وحرصا على عدم تفاقم الأمر ووصولها إلى أن تكون ظاهرة أو مشكلة، فقد قمت باجراء دراسة عام 1426 في العاصمة المقدسة لمحاولة التعرف على الأنشطة الإجرامية لجرائم سرقة السيارات في العاصمة المقدسة مع تحديد خصائص وصفات مرتكبيها، والتعرف على أنواع السيارات التي يكثر تعرضها للسرقة، ومعرفة أكثر الأحياء التي تسجل تلك الحوادث، وأكثر الأماكن التي يتم العثور فيها على السيارات المسروقة، وتم وضع التوصيات المناسبة للحد من ارتكاب هذه القضايا والتقليل من حدوثها، بمنع مسببات ارتكابها قدر الإمكان، والوصول إلى تحديد صفات وسمات مرتكبيها للقبض عليهم والحد من نشاطهم الإجرامي، وأثمر تطبيق توصيات الدراسة بفضل الله عن الحد وتقليل فرص ارتكاب جرائم سرقة السيارات.

وأضاف: سبق لباحثين آخرين الاهتمام بدراسة هذه الجزئية من الجرائم الجنائية فهناك دراسة د. سلطان العنقري، بعنوان “جرائم سرقة السيارات في المملكة: دراسة ميدانية عن الجناة”، وتوصلت الدراسة التي شملت دراسة السجناء المودعين دور الملاحظة الاجتماعية أو السجون في قضايا سرقة سيارات في عشر مناطق رئيسة بالمملكة، أن مكة المكرمة احتلت المرتبة الرابعة، من حيث عدد السجناء الموقوفين في قضايا سرقة سيارات، وأن أعلى نسبة للفئات العمرية مرتكبة جرائم سرقة السيارات كانت بين العمرين 18-24، وأن ثلث العينة تقريبا لا يتجاوز تعليمهم المرحلة الابتدائية، في حين أن غالبية الجناة (92.5٪) يقعون بين فئة (أمي والمرحلة المتوسطة)، وأن (46.8٪) منهم أحوالهم المادية ضعيفة، وأن (87.4٪) من فئة العزاب، واحتلت فئة العاطلين المرتبة الأولى تلتها فئة الطلبة، وأن غالبية الجناة (78٪) كانوا من السعوديين، في حين أن (74.3٪) منهم قاموا بالسرقة للمرة الأولى، وأن (27.1٪) قاموا بالسرقة بشكل عشوائي، وأن (50.5٪) ساهم المجني عليهم في سرقة سياراتهم، في حين سجل رجال الأمن أعلى نسبة في طرق اكتشاف جرائم سرقة السيارات (76٪)، وسجلت السيارات من نوع كرسيدا أعلى نسبة للسيارات المسروقة (36.8٪) وتركزت في الموديلات من (80 – 95)، في حين سجلت الكرسيدا أيضا أعلى نسبة في السيارات التي يفضل الجناة سرقتها (45.5٪)، وأن دافع غالبية مرتكبي السرقة كان بقصد قضاء حوائج لهم بتلك السيارات (39.4٪)، ثم لممارسة هواياتهم عليها (26.9٪)، وأن نسبة (18.8٪) منهم تم القبض عليهم وبحوزتهم السيارات المسروقة، ونسبة (10.6٪) يقومو بترك السيارة المسروقة في الشارع أو في أي مكان بعد قضاء حاجته، في حين يرجع (6.4٪) السيارة إلى موقعها، ونسبة (2.7٪) إما يتركونها داخل الأحياء التي سرقت منها أو في أماكن متوارية عن الأنظار، وان (94٪) لم يكن لهم هدف ارتكاب جرائم أخرى بالسيارات التي سرقوها، (العنقري، 1423ه ).

وفي دراسة للدكتور رشود الخريف بعنوان: “الجريمة في المدن السعودية: دراسة في جغرافية الجريمة”، توصّل الباحث فيها إلى أنّ اتجاه جرائم سرقة السيارات في ارتفاع سريع حيث وصلت نسبة الزيادة (389٪) من عام (1407ﻫ ) إلى عام (1413ﻫ)، وأن سرقات السيارات تمثل (14٪) من إجمالي الجرائم المسجلة في المدن السعودية، و(36٪) من مجموع جرائم السرقات، وقد احتلت جدة المرتبة الأولى من حيث حجم معدل جرائم سرقات السيارات بالنسبة لحجم سكانها، تلتها الباحة وحفر الباطن، ومن ثم مكة المكرمة، وأن معدلات سرقة السيارات ترتفع عندما ترتفع نسب السكان غير السعوديين، وعندما تزداد الكثافة السكانية، ويرتفع معها نسبة القبض على الجناة، وأن السعوديين، والعزاب والعاطلين، يمثلون النسبة الأعلى من الجناة، وأكثر من ثلثي الجناة من الفئة العمرية (19-36 سنة)، (الخريف، 1419ﻫ).

وفي دراسة للدكتور عبدالله الوليعي بعنوان “السرقة في مدينة الرياض: دراسة تحليلية وميدانية في جغرافية الجريمة”، توصّل الباحث فيها إلى أنّ نسبة جرائم السرقات في ارتفاع مستمر حيث وصلت نسبة الزيادة إلى ما نسبته (169٪) خلال سنوات الدراسة من عام (1406-1411ﻫ)، وأن سرقة السيارات احتلت المركز الأول من بين أنواع السرقات في مدينة الرياض بنسبة (29.1٪)، وأن سرقات السعوديين تتركز في سرقة السيارات والسرقة منها، وأن غالبية الجناة في قضايا سرقة السيارات من العاطلين عن العمل (39٪)، وأن معظم الجناة تتراوح أعمارهم ما بين (16-39 سنة).

آليات الحد من الظاهرة

ويلخص المختصون عدة آليات للحد من جرائم سرقات السيارات، من أهمها، العمل على إيجاد وظائف مناسبة تشغل الشباب الباحث عن عمل، وتسد بعض احتياجاته الخاصة، وإيجاد نواد وأنشطة رياضية واجتماعية مناسبة تملأ وقت فراغ الشباب بما هو مفيد ونافع، وتخصيص مسابقات خاصة بسباق ورياضات السيارات ونحوها، والتي تجذب الكثير من الشباب، وبعد وضع الضوابط الشرعية والأمنية وتوفير سبل السلامة اللازمة.

ويظهر أن هناك ارتفاعا في نسبة سرقة انواع معينة من السيارات وقد يعود ذلك لعدم توفر وسائل السلامة والأمان في هذه السيارات، او لازدياد شعبية تلك السيارات في ممارسة التفحيط وخلافه لذلك يوصي الباحثون بوضع مواصفات أمنية خاصة تلزم بها جميع شركات السيارات، وبحيث لا يسمح باستيراد أي سيارة لا تلتزم بهذه المواصفات التي ستساهم إن شاء الله في الحد من ظاهرة سرقات السيارات، كما يُوصى بعمل مسح للأحياء التي ترتفع فيها نسبة سرقة السيارات مقارنة ببقية الأحياء ومن ثم تكثيف التحريات والبحث في تلك الأحياء بشكل خاص نظرا لارتفاع نسبة سرقة السيارات بها، ولا يمكن اغفال أن نسبة من السيارات المسروقة يعثر عليها بداخل حجز السيارات ولعل هذا يشير إلى أن عددا من السيارات المبلغ عنها لم يتم سرقتها وإنما تم سحبها لمخالفتها أنظمة السير، وعندما لا يجدها صاحبها في مكانها يقوم بالإبلاغ عن سرقتها، وتسجل كسرقة سيارة مما يرفع نسبة السيارات المسروقة في حين أنها في الواقع غير مسروقة بل مسحوبة.

ولعل من اهم اسباب انتشار سرقات السيارات هو مساهمة عدد غير قليل من أصحاب السيارات في تسهيل عملية سرقة سياراتهم، وذلك بترك السيارة وهي في حالة تشغيل والمفتاح عليها أثناء دخوله إلى أحد المحال، أو بعدم قفل الأبواب والنوافذ، أو بعدم استخدام وسائل الإنذار ضد السرقة أو بأي وسيلة أخرى قد تسهل عملية سرقة السيارة، ولذلك يوصى بالتركيز على عملية التوعية الأمنية للمواطنين والمقيمين لرفع الحس الأمني وزيادة اهتمامهم بوسائل السلامة التي تحد من عملية سرقة السيارات، ومن الوسائل التي يمكن الاستعانة بها في الحد من سرقات السيارات والكشف عن مرتكبيها هو الاستعانة بالكاميرات الامنية ونشرها في جميع المواقع والرجوع للتسجيلات في حالة اكتشاف سرقة السيارة لتسهيل التعرف على الجناة وضبطهم.

 

 

جريدة الرياض