احمد يوسف التاي : تخدييييييير”
أجهزة المؤتمر الوطني تبحث قضية معاش الناس”.. هذا ما أوردته بعض الصحف أمس في عناوينها الرئيسة.. لا بأس.. بإلقاء نظرة فاحصة للضائقة المعيشية الراهنة، نظرة تأخذ في الاعتبار العنوان أعلاه، وبقراءة متأنية لما بين سطور الخبر، ينتابني الشعور بأن أجهزة الحزب الحاكم كأنها كانت تغط في نوم عميق ولم تصحو إلا على الأحداث الأخيرة وصوت الرصاص ورائحة الدم، فاستيقظت مذعورة لتقرر على عجل أن ما حدث كان بسبب تزايد أزمة معاش الناس والغلاء، ولا بد من إلهائهم بما يمكن أن يكون مسكناً أسرع أثراً وفاعلية لتهدئة الآلام المزمنة، ولهذا كان التفكير بطريقة إطفاء الحرائق وتسكين الأزمة..
أو بدا الأمر من وحي قراءة الخبر كأن أجهزة هذا الحزب “المتكلسة” الهرمة فاقت من غيبوبة “كومة سكر” أو آلام المفاصل والظهر، أو أي مرض من أمراض الهرم، ووجدت نفسها أمام حراك طلابي وشعبي هادر فقررت دون تدبر وتحت وطأة الذعر أن الذي جرى ويجري هو بسبب الضائقة المعيشية وغلاء الأسعار التي قرأوا عنها فقط في الصحف وكانوا يحسبون الحديث عنها مجرد مزايدات سياسية ولغو من ترهات المعارضة أو ربما مشاكسات صحافية، لكنها -أي أجهزة المؤتمر الوطني، بدت وكأنها فاقت من أمراض الشيخوخة و”الخرف” وقررت على وجه السرعة حقن الشارع ب “مخدر” البحث عن حلول ناجعة لقضية معاش الناس..
هكذا دائماً أجهزة المؤتمر الوطني في كل مرة تضع نفسها في جزر معزولة عن الشارع وهمومه وشواغله وتضرب حول نفسها سياجا حديديا بعيداً عن معاناته، ولا تفكر إلا في كيف تحمي “أمجادها” الشخصية ومكاسبها الحزبية، وكيف تحافظ على هذا النظام وكيف تحميه لضمان استمرار رغد العيش والاستئثار بالموارد العامة واحتكارها لصالح عصبة متنفذة هي الآن الدولة والمؤسسات والقانون والوصي “الشرعي” الذي يحق له وحده لا شريك له، ممارسة الأبوية واحتكار الصواب والحقيقة كلها..
هكذا دائما تلهو أجهزة الحزب ولا تشغل نفسها إلا بالتمكين للحزب والأفراد المتنفذين ورعاية مصالح مراكز القوى، وما إن ظهرت بوادر تذمر هنا وهناك، أو ملامح ملل وضيق في الشارع لا تكلف نفسها بأي عمل سوى اللجوء إلى “المسكنات” وأدوات التخدير المؤقتة وهي البحث -إعلامياً وبشكل دعائي منظم- عن حلول للضائقة المعيشية، وما إن هدأت الأحوال قليلاً عادت تلك الأحهزة إلى انصرافها عن معاش الناس وهمومهم، والحق أن هذه “المسكنات” التي أدمنها الشارع السوداني قد ملها الناس، كما مل معها الاستغفال الذي تمارسه تلك الأجهزة الخاملة وهو فعل يتسق مع فشل الإدارة الاقتصادية التي وضعت السودان كله على الهاوية والدرك السحيق من سوء تخطيطها وعجزها البائن عن الحلول الناجعة لقضية الضائقة المعيشية التي تطاول ليلها ويكاد صبحها أن ينبلج من كثرة ما بدا من العتمة و”الكتمة”.. اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.