هنادي الصديق : مهنة يعافها المسؤولون
* سئل امبراطور اليابان يوماً، ماسر تقدم دولته في هذه الفترة القصيرة، فأجاب: بدأنا من حيث إنتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلم (حصانة الديبلوماسي) و(راتب الوزير).
* النظرة المجتمعية في اليابان بشكل عام تجعل المعلم في المرتبة الثانية مباشرة بعد الامبراطور، ويتراوح في العادة راتب المعلم ما بين32 و68 ألف دولار في العام حسب مستوى تعليمه، إضافة إلى ثلاث علاوات تمنح له خلال العام الواحد بجانب البدلات المتعددة خاصة الإجتماعي والصحي منها، كل ذلك وصولاً إلى وضع أفضل للتعليم بالبلاد والذي بدوره يعني تقدم الدولة في كل المجالات، وهذا لا يتأتي إلا بتحسين بيئة العمل وتوفير إحتياجات المعلم ليقوم برسالته على الوجه الأكمل، أما في بقية الدول الآسيوية فلا تقل كثيراً عنها في اليابان ماجعل الكثير من الدول تقتدي بها وكان ذلك سبباً في تقدمها وتطورها في فترة قصيرة..
* تناولت هذه المقدمة لأعرج للحال الذي وصل إليه التعليم في بلادنا بعد الخبرالذي أقل ما يوصف به (مهين) جداً لأعظم مهنة في التاريخ، فقد أشار خبر في صحيفة (الجريدة) يوم أمس إلى زيارة للجنة التعليم بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم لمركز تصحيح إمتحانات الشهادة السودانية، بغرض الوقوف علي أحوال المعلمين، وللتبرع لكل معلم بمبلغ (2) جنيه في اطار دعمهم للتعليم، الامر الذي أثار سخط المعلمين الذين رفضوا استلام المبلغ واعتبروا ذلك استفزازاً للمعلم وإهانة بالغة لمن يفترض أن يكونوا أكثر فئات المجتمع تقديراً وإحتراماً.
* رفض المبلغ وعدم إستلامه يعتبر صفعة قاسية في وجه الحكومة ممثلة في أعضاء المجلس التشريعي الذي يعتبر مثله مثل البرلمان، لا إحساس لديه بالمعلم، ويتعامل معه على أنه(مهنة عادية) لا تتطلب كثيراً جهد من الدولة، ناسين أو متناسين أن كل الخير والعز الذي هم فيها وأعني أعضاء البرلمان والمجالس التشريعيةلامن خير هذا المعلم.
* بكل اسف الحكومات المتعاقبة في السودان رسخت لتنميط صورة المعلم، وبات من الطبيعي جداً أن نجد هذا المعلم نفسه تأقلم مع هذه الصورة النمطية ولم يعد لديه الطموح في التغيير للأفضل، حتي صار التعليم من أدنى المهن بالسودان، ولا أحد ينصت لصوت المعلم.
* ولعل في تصريح أحد المعلمين بأن مبلغ الـ(2) جنيه لا يساوي قلم التصحيح الذي يستخدمونه ناهيك عن إحتياجاتهم الاساسية، يؤكد حجم الإهانة التي ظل المعلم يتعرض لها، والدليل علي ذلك حديث أحدهم بأنهم تعودوا الظلم وعدم الإحترام والتقييم بإعتبارها قواعد وسياسة دولة لا تمنحهم حقهم كاملاً وهم من ضحوا بحياتهم لمواجهة الجهل، وعانوا من ضعف الرواتب وسوء الادارة الذي جعل المعلم يتعرض للتنقلات كل عامين بالمدارس، وبعد أن يصل لسن المعاش، يجد أن معاشه لا يكفي مؤونة رضيع.
* في إعتقادي الشخصي أن هذا الخبر لا يجب أن يمر مروراً عادياً، ويتطلب وقفة من المعلمين أنفسهم ليضعوا حدا لهذا الظلم والإهانة التي باتت سمة ملازمة لمهنتهم، وكون أن نقابتهم لا وجود لها علي أرض الواقع، ولا تلامس همومهم بالحد الكافي، فمن الأولى لهم الإنتفاض عليها مطالبين بحقوقهم حتى تستشعر قيادة الدولة مسؤولياتها تجاهم وتبحث عن حلول جذرية لهذه المهنة التي بات تأثيرها في المجتمع ضعيفاً إن لم يكن في إضمحلال.
* لا نريد أن تصبح مهنة التعليم هي المهنة التي يعافها المسؤولون، فيكفي ما أوصلونا له من مسالب التعليم التجاري.