عبدالرحمن خالد البابطين : بسطات لبيع السعادة!
في السنوات الخمس الأخيرة تقريباً، ظهر على الساحة ما يمكن أن نسميه “هجمة مدربي التنمية البشرية”، وهم مجموعة من الأشخاص يضعون بجانب أسمائهم “د.”، ويقدمون دورات في شتى المجالات، كالسعادة والتفاؤل وتطوير القدرات، وتنظيم المؤتمرات وصقل الشخصية وكيف تصبح قيادياً، وكيف تتحول إلى “سوبرمان”، وغيرها الكثير من هذه الدورات التي تقفز إعلاناتها في كل مكان، وبجانب الإعلان شخص “متكتف” ومبتسم يشعرك أن صورته هي نفسها التي التقطها يوم عرسه.
سأتناول هذا الموضوع من جانبين، الأول هو كيفية حصول هؤلاء على الدكتوراه، وخصوصاً أن بعضهم شاب صغير في السن، ونعرف أن الدكتوراه مشوار طويل وشاق وتحتاج إلى سهر الليالي ومناقشة من لجان “تعصر” الطالب عصراً حتى يخرج من اللجنة “مدوده”، وقد ينجح من أول مرة، وقد لا يتمكن من ذلك بسبب سيل الملاحظات والتعديلات التي تجريها اللجنة على رسالته. أما هؤلاء الشباب، فيبدو أنهم عباقرة، لأنهم ينامون من دون “د.”، ويصحون وبجانب أسمائهم هذا اللقب العلمي الرفيع!
وللإمعان في إقناع الناس، فإنهم يكتبون عن ألقابهم العلمية أنهم حصلوا على شهادات معتمدة من أسماء جهات غريبة عجيبة لا وجود لبعضها إلا على الإنترنت، والأكثر من ذلك، يصبح هذا المدرب بعد فترة من الزمن “مدرب المدربين”، ثم “مدرب مدرب المدربين”.. وهكذا!
الجانب الآخر الذي أود التطرق إليه في هذا الموضوع، هو ما التخصص العلمي لمدربي التنمية البشرية الذي يتيح لهم تعليم الناس كل شيء، بدءاً من السعادة أو القدرة على التفوق وصقل الشخصية، وصولاً إلى أن تصبح كاتباً عظيماً؟ فنحن نعرف أن هناك أطباء أو متخصصين في علم النفس أو علم الاجتماع أو الإدارة وغيرها، هم المعنيون بهذا الأمر، أما لمجرد أن يكون شخص ما متفائلاً وسعيداً في حياته، أو أنه يهدي زوجته وردة كل يوم، يتحول إلى مدرب يعلم الناس فن الإتيكيت والسعادة، فتلك كارثة.
وكيف لشخص ما أن يصبح معلماً ومدرباً للعقول البشرية، لمجرد أنه التحق بدورات تدريبية عدة أو مارس هواية ما ونجح فيها، فيصبح بين ليلة وضحاها مدرباً في التنمية البشرية وتطوير المهارات والقدرات؟!
بعض هؤلاء المدربين يستغلون الوضع النفسي للإنسان في عصرنا الحالي من أزمات يتعرض لها، أو تنشئة أسرية غير سوية أو تعرضه لصدمة عاطفية، فيلعبون على وتر عواطفه ويتسللون من ثغرات في نقاط ضعفه، فيستدرجونه إلى هذه الدورات التي بعضها يكلف كثيرا من المال.
السؤال الذي لا أعرف إجابته: ما الجهات المعنية بالترخيص لهؤلاء، أم إنهم خارج نطاق التغطية بسبب قدراتهم النفسية الخارقة؟!