مقالات متنوعة

عبد المنعم مختار : رحم الله مبارك

٭ التقيته في قرية الدبيبة رجلاً كبيراً يدب النشاط في اوصاله.. يرتدي القطفان.. الابيض المزركش باللون الاصفر.. ضحكته النقية لم تفارق عيني..
يغني وكأنه هو الذي كتب الكلام.. صوته الرويان يلعلع في المكان
احرموني ولا تحرموني
سنة الاسلام السلام
٭ هذه المعاني المغسولة بالايمانيات والتسامح تأكيد على ان ثقافة تلك المنطقة تقوم على نار التقابة والالواح الخشبية والدواية والمحاية.
وعندما وصل مقطع
من تعاطى المكروه عمداً
غير شك يتعاطى الحرام
تذكرت نظرية الكوب الفارغ.. وكل اناءً بما فيه ينضح في جدلية الغناء حلال أم حرام وأنا اتذوق المعاني وهي مترعة بالفضيلة.. حلاله حلال.. وحرامه حرام..
لم افق الا بعد انتهاء الاغنية التي كان يصدح بها الفنان مبارك حسن بركات .. الذي انتقل الى مولاه اول امس..
٭ استمعت اليه قبل فترة عبر شريط كاسيت اختار نخبة من الاغنيات الجميلة ومعظمها للشاعرين ود الرضي والجاغريو.. هذا الكاسيت وجد قبولا كبيرا حتى وسط الشباب.. وابانت ان صدق الانفعال في الاغنيات الاصيلة لا يعترف بالتقادم.. ولا الشيخوخة..
٭ اغنيات بسيطة تقول كلماتها بريدا.. براها.. ترتاح روحي لرؤياها
قالت جارتا مجاوراها
تجي شايلة تجي مزاوراها
وتلحظ احتياجنا براها
نشكر سعيها بي وراها
ست البيت..
هذه الكلمات التي يحتفي بها رجال الخمسينات يتعاطاها جيل الألفية الجديدة بذات الألق ويشكلون بها صورة الانثى الاحتمال التي تستوطن قلوبهم وهي تحمل تفاصيل «ست البيت» .. وتكاد هذه الاغنية الرصينة ان تكون «كتالوج» مفيدا لاصحاب الملفات الاجتماعية التي تهبش القاع والهامش في صحفنا السيارة بحساسية مفرطة..
اغنيات الحقيبة التي تصلح للتجريب الوجداني اخرجها مبارك حسن بركات بنكهتها القديمة وعبقها دون ان تفقد تاريخ صلاحيتها.. والتاريخ نفسه يكتب ان الفنان مبارك حسن بركات رحل عن الدنيا في عمرٍ يناهز التسعين عاماً.. وظل يقدم الفن قرابة السبعين عاماً.. في بادرة لم تشهدها المواقع والوسائط الفنية قريباً..
٭ في الوان سبق ان اجرينا معه حوارا قبل عامين.. تحدث فيه عن التجارب والذكريات وسوف نقوم بإعادة نشره تخليداً لذكراه العطرة.
اللهم ارحم الفنان الكبير مبارك حسن بركات.. واغفر له واسكنه فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.