م. ناصر القحطاني : عندما يشغل المدراء مناصب القادة
تأملت طويلا في تأخر التنمية بكثير من الدول وخسارة الكثير من الشركات وإفلاسها فوجدت ان أحد الأسباب الرئيسة الكبرى- إن لم يكن السبب الرئيس في ذلك- هو أن المسؤول الأول وصاحب القرار هو (مدير) وليس (قائد) وفرق كبير بينهما.
يقول ستيفن كوفي صاحب كتاب العادات السبع في أفضل تعريف للقائد والمدير «إن القائد يفعل الأشياء الصحيحة بينما المدير يفعل الأشياء بطريقة صحيحة».
Leader does the right things While Manager does the things right
منذ تولي الملك سعود- رحمه الله- مقاليد الحكم وحتى عهد الملك سلمان- أيده الله- يقوم الملك بتعيين ما بين (18- 23) وزيرا لإدارة الدولة ويتم إعطاؤهم الصلاحيات المطلقة في مجال عملهم لاتخاذ واعتماد أي قرار يخدم الوطن والمواطن، وعلى مدى 62 عاما مازال المجتمع يتذكر بعض الوزراء الذي كانوا بالفعل (قادة) ولم يكونوا مدراء واتخذوا قرارات استراتيجية مازلنا ننعم بفضل الله بآثارها، والعكس صحيح وللأسف.
من خلال خبرتي العملية وقراءتي وجدت أن أكبر صفتين يجب ان تكونا في القائد هما، الشجاعة والحكمة، فالحكمة سترشده بإذن الله للقرار الصائب، والشجاعة ستجعله يتخذ ذلك القرار بكل ثقة وثبات، بينما (المدير) يتلهف لاستلام خطة العمل ليقوم مع فريقه بوضع تفاصيلها وتنفيذها ومتابعتها بكل احترافية.
حينما يشغل المدير منصب القائد فسوف يطبق قاعدة (سكّن تسلم) و (حرك تبلش) وسوف يبقى يراوح في مكانه الذي هو فيه ويشغل نفسه بالعمل الروتيني اليومي ولن يجرؤ على التفكير أبدا في تغيير واقعه ولا يملك الشجاعة لاتخاذ أي قرار استراتيجي وتحمل تبعاته.
حينما يشغل المدير منصب القائد ينهزم الجيش، وتخسر الشركة، وتتفكك الوحدة الاجتماعية سواء كانت قبيلة أم دولة بأكملها، وتدب الفوضى، ويكثر الخلاف وتتعطل التنمية وينعدم التطوير.
ليس (القائد) بأفضل من المدير أبداً، وليس (المدير) بأفضل من القائد إطلاقاً فكل منهما كالجناح للطائر لا يمكنه الطيران إلا بهما جميعا، لكن المشكلة تكمن حينما يكون المدير بمنصب القائد أو القائد بمنصب المدير وهذا هو واقع كثير من القطاعات الحكومية المتأخرة او التجارية الخاسرة.
(القائد) يؤمن بأن النظام ملك له وله الحق في تغيير الأنظمة بما يخدم أهدافه ويزيل العراقيل التي تعيقه دون الرجوع لمن عينه، بينما المدير يقدر النظام ويشعر انه هو وقطاعه ملك للنظام ويجب تطبيقه والرفع للقائد لأخذ الموافقة، فتخيلوا أن هذا المدير اصبح قائدا.. كيف ستكون إنتاجية وزارته أو شركته؟
هل يستوعب معالي الوزير أو المسؤول الذي يرجع للملك مباشرة أنه قائد وليس مديرا وأنه يملك صلاحيات في مجال وزارته؟ وهل يستوعب أنه لا يحول بينه وبين النجاح والتغيير الإيجابي إلا اصدار القرارات الصائبة؟
القائد (يقدح من راسه) ويتحمل مسؤوليات (قدحه) ويستشعر المسؤولية الملقاة على عاتقه ولا توجد في قاموسه (اكتبوا لنا، خاطبونا، خاطبناهم) وغيرها من المفردات التي كانت سببا في تعثر وتأخر الكثير من مشاريع التنمية.
الوزير (القائد) لا يبرر فشله بسبب عرقلة الوزارات الأخرى بل يجتمع ويحاور ويناور لإنجاح وزارته ويعرف كيف ينتزع حقوقه انتزاعا ممن عرقلها، وبظني أنه لا مكان لأي وزير بعقلية مدير.. فليس أمام وزير في مجلس الوزراء الجديد إلا خياران: إما أن ينجح، أو ينجح.
على سبيل المثال: منذ عام 2005 وحتى عام 2015- على سبيل المثال- تجاوزت ميزانية قطاع النقل 345 مليار ريال، ومع ذلك مازال العمل مستمرا في طريق الجبيل الدمام يسير كالسلحفاة وحصد أرواح العشرات سنويا، ولا يصدق عاقل أن طريقا بطول 80 كم فقط يربط بين عاصمة النفط في العالم (الظهران) وبين عاصمة البتروكيماويات في العالم (الجبيل) مازال العمل فيه مستمرا منذ 10 سنوات وحتى كتابة هذا المقال رغم أن تكلفته لا تتجاوز 1 % من الميزانية المعتمدة لهذا القطاع على مدى 10 سنوات ولا تفسير لذلك إلا أننا أمام أزمة قيادة حقيقية داخل الوزارات المعنية بهذا القطاع، مثال آخر طريق الملك فيصل (الدمام – الخبر الساحلي) بطول 14 كم والذي مازال العمل والتحويلات به منذ عام 2003 وحتى الآن، والأمثلة كثيرة في مشاريع متأخرة في وزارات أخرى لا يتسع المقال لذكرها.
أجزم أن التغيير والنهضة التنموية سهلة جدا في وطننا الغالي ولا يحول دونها- بعد توفيق الله – إلا(جرة قلم) بقرارات صائبة ومبادرات ذكية من قادة أكفاء تتمثل في شخص الوزير والسبب هو أن المال موجود، والصلاحية معطاة، والمقاول موجود، والحاجة موجودة، فما الذي يحول بيننا وبينها؟
ختاما.. تحية لكل وزير (قائد) حيّا كان أو ميتا تحلى بالشجاعة والحكمة واتخذ قرارات (صائبة) تنهض بالوطن وتسعد المواطن.