مقالات متنوعة

عبد الله الشيخ : الشيخ حمد لم يُطبِّق الشريعة

كان بين مشايخ الطرق، من يرتفع مقامهم فوق مقام الحاكم، وكانت عمامة الولي هي الأصل في تتويج السلاطين.. وقد حدث مراراً، أن توّج أولياء التصوّف الحكام في المناصب، على اعتبار أن المذهبية الصوفية هي (الشرعية) التي يحتاجها النظام)السياسي..( من أمثلة ذلك، ما نقله ود ضيف الله، عن تثبيت الشيخ عووضة القارح لحاكم دنقلا في منصبه، بعد أن عزله ملوك العبدلاب، وإسباغه الشرعية على حفيد الملك حسن ولد كشكش.. ونقل ود ضيف الله كذلك، أن ملك الجعليين عبد السلام القتلوب، حظي برضا الشيخ إبراهيم ولد بري، فكان له الملك، ثم جُرِّد منه حين وقعت عليه اللعنة، وبعد غضب الشيخ عليه- يقول ود ضيف الله – أن المُلك بارح دائرتهم.. أنظر الطبقات، ص 273.. ويسمو مقام بعض الأولياء حتى يكاد يختزل السلطنة في ذاته، كالشيخ حمد ولد أم مريوم، الذي كان ربعه في منطقة الخرطوم، أشبه بـ (دولة داخل الدولة).. فقد كان ود أم مريوم، يتلقى زكوات القبائل ويوزعها، وكان يلزم زائريه (بالشريعة قولاً وعملاً ، واشتهر باغلاظه على الحكام، وكان يعطبهم إن غضب عليهم)، ومن ذلك(أنه دعا على أولاد عجيب فهلكوا ، كما أنّه رفض قطع حالة إختلائه، حين زاره في ساعتها بعض الأعيان ..ولما فرغ منها قال لهم: أنا في حضرة ملك الملوك اقطعها لأجلكم؟).. هنا، لابد من وقفة عند ما قيّده ود ضيف الله،عن أن الشيخ حمد ود أُم مريوم ،( كان يُلِزم زائريه، بالشريعة قولاً وعملاً) ..هذه العبارة دقيقة نسبياً، رغم أن ود ضيف الله، شأنه فيها هو شأن الفقهاء، الذين يريدون من اطلاق مثل هذه العبارة، القطع بأن الشريعة قد طُبِّقت في عهد الفونج.. ما يفصح عنه النّص المدوّن عن تلك الحقبة، هو أن الأحكام التي كانت تصدر من الشيخ حمد، لا تدل على تطبيقه للشريعة في أنحاء الخرطوم التي كانت مستقرّه، بل أن تلك الأحكام، كانت اجتهاده في فهم وانزال النص على الواقع ..وممّا أورده صاحب الطبقات في ترجمة الشيخ): منعه للاختلاط داخل ربعه، ومحاربته للخفاض، وجلده زوجته الحُسنة، التي رفعت صوتها في تلاوة القرآن، وتقييده لابنه في الهجير، لأنه آثر زوجته الجديدة على الأخرى).. هذه الأحكام ومثيلاتها كانت اجتهاداً، يصدر في حينه من الشيخ، ويسري في محيطه الضيق بين مريديه وأهل بيته، وزوّاره .. أي أن تلك الأحكام، لم تكن قانوناً سارياً في المجتمع، ولا هي فرماناً مكتوباً كمواد محددة أو نصوصاً معروفة عن السالفين.. ولإفحام من يدَّعونَ تطبيق الشريعة في زمان الفونج، ينبغي إحالتهم إلى عبارة ود ضيف الله الذكية، بأن الشيخ كان يجتهد داخل مسيده، ويُلزِم معيته بتلك الاجتهادات..حتى هذا الإلزام، لا شك أن فيه براحاً، لأن صاحب الدّار في مجتمع السودان، مجبول على احتمال تجاوزات زائريه وضيوفه .. وحدث تحوُّل كبير في ربع الشيخ حمد ود أم مريوم، الذي كان الأسمى في ناحية الخرطوم، حيث أن الخليفة بابكر ود المتعارض، أورث المراغنة مقام آبائه وأجداده في الخرطوم بحري، عندما أهلَّت عليه أنوار السيد الحسن أبو جلابية.. ويُعد الشيخ ود المتعارض مثالاً، لما يكون عليه الحوار مع شيخه، بل أنه ضرب مثلاً شروداً في هضم الذات، بتخلّيه عن المشيخة وتمجلسه كحوّار للسيد الحسن.. وقد قال ود المتعارض في محبة شيخه قصائد تحكي عمق الفكرة الصوفية في مجتمع السودان، الذي شارف حينها، على نهايات حقبة التركية..