تزايد أعداد المهاجرين … البحث عن أوضاع أفضل
ذهبت ذات مرة إلى إحدى إدارات الجوازات بقلب الخرطوم، وأدهشني الكم الهائل من الجوازات الإلكترونية التي تم استخراجها حديثاً للمواطنين، حيث كان يحملها الشرطي في ثلاثة صناديق بلاستيكية، وما أن بدأ بتلاوة أسماء أصحاب الجوازات حتى امتلأت الصالة بكم هائل من المواطنين حتى لم أجد لقدمي موطئاً بين الواقفين، وأصبح كل من يسمع اسمه يسرع بخطاه ليتلقف جوازه من يدي ذلك الشرطي، ثم ترتسم على وجهه إبتسامة رغم تصبب عرق الانتظار من جبينه، وكأنما هذا الجواز مفتاحاً لفردوس طال إنتظاره لها.
*أحلام وطموحات؟
– واللافت للنظر أن السواد الأعظم من أصحاب هذه الجوازات من شريحة الشباب بين العقدين الثاني والثالث من أعمارهم، وكان واضحاً جداً أن أغلبهم يحلم بقطع الجانب الآخر من البحر الأحمر، بينما سرح البعض فيما يمكن أن يتمتع به من سحر أروبا أو أمريكا، حتى أصبحت الهجرة طموح الكثير من الشباب البلاد، وإن تباينت طموحاتهم ما بين إقتصادية أو تعليمية أو حتى سياسية،
منظمة الهجرة الدولية في آخر تقرير لها ذكرت أن عدد المهاجرين السودانيين بدول مجلس التعاون الخليجي يقدر بـ(4) ملايين سوداني.
*نصف الكوب الممتلئ
وبالبرغم من أن الهجرة تعني تقلص القوى العاملة بالبلاد ونقص الكوادر المؤهلة في كثير من مجالات العمل، إلا أن الدولة أصبحت تعتبرها أحد أساليب محاربة البطالة من خلال تصدير عمالة سودانية مؤهلة ومدربة لأسواق العمل الخارجية كنوع من أنواع النظر للنصف الممتلئ من الكوب.. وهذا ما صرح به والي الخرطوم الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين في وقت سابق، وقال إن لهجرة العقول فوائد كثيرة منها أن تحويلات المغتربين تصل إلى 7مليار دولار سنوياً، وفي ذات الوقت تحلى الفريق بالشفافية حينما أقر بعجز السلطات.. أما هذه المعضلة وعلل بقوله إن الدولة لا تسطيع مجاراة الخليج في الأجور التي تقدمها للسودانيين العاملين بأراضيها.. وليس الوالي وحده الذي يتبنى إيجابيات الهجرة بل سبقته وزارة العمل عندما قدمت تقريراً للبرلمان في وقت سابق، كشفت من خلاله عن مساعيها لعقد إتفاقيات ومذكرات تفاهم مع بعض الدول العربية، والصديقة بغرض تنظيم وتوفير الحماية اللازمة لحقوق العمالة المهاجرة إليها.
*ميزات خاصة
ويرى خبراء الإقتصاد الهجرة أشبه بالدجاجة التي تبيض ذهباً لكثير من الدول، التي تعتمد على تحويلات المغتربين كمورد مهم من مواردها، بل قد تفوق إيرادات الصادر المحلي لها، وهذا ما أفصح عنه الخبير الإقتصادي عبد الله الرمادي، معتبراً أن السياسات التي تتبناها البلاد تعمل على تنفير المغتربين من إدخال العملات الأجنبية عبر القنوات الرسمية للدولة، مما انعكس سلباً على اقتصاديات البلاد، فأصبحت البلاد تصدر الكوادر الأكثر تأهيلاً بعد أن تصرف عليها الدولة عبر تدريب بعضهم وابتعاث بعضهم للخارج، كل ذلك من خزينة الدولة وفي نهاية المطاف تنتفع بعلمهم دول أخرى، ومن هنا أصبحوا وكأنهم خصماً على الدولة، داعياً القائمين على أمر الإقتصاد، بفتح أبواب البنوك السودانية للمغتربين مع ضمانهم لإستلام تحويلاتهم بالعملات الأجنبية كخطوة تشجيعية تضمن بها الدولة مرور أموال المغتربين عبر المنظومة المصرفية للدولة.. وأضاف الرمادي أن كثيراً من البلدان تقدم ميزات تفضيلية للمغتربين مثل إعفاءات وتخفيضات في الرسوم الجمركية، ومشاريع في مناطق معينة مقابل تحويلاتهم للبلاد، أو حتى إعطائهم قطع أراضي بأسعار مخفضة، معتبراً ذلك ديدن كثير من الدول.
*إحصائيات الوزارة
وصفت وزارة العمل الرقم الذي أوردته منظمة العمل الدولية في تقاريرها رقماً فلكياً.. وقالت مصادر مطلعة لـ(آخر لحظة) إن الوزارة شككت في تلك الإحصائيات التي توردها بعض المنظمات، وكشفت المصادر أن إجمالي المهاجرين من البلاد هو (255876) مهاجر في آخر إحصائيات الوزارة للأعوام (2014_2016) حيث بلغ عدد المهاجرين للمملكة العربية السعودية ( 232961) والإمارات العربية المتحدة (4487)، أما من هاجروا للكويت فبلغ عددهم (4504) بينما البحرين استقبلت (453) مهاجراً، وقطر بها (4216) سوداني، بينما ضمت سلطنة عمان (980) من أبناء الوطن، وقالت المصادر إن الخليج ليس وحده الوجهة التي يتدفقون إليها السودانيين بغرض العمل أو غيرها، فالأراضي الليبية رغم أوضاعها السياسية غير المستقرة إلا أن هنالك ما لا يقل عن (8383) مهاجراً تدفقوا إلى أراضيها، ولكن هناك من يهيمون بوجوههم إلى قارات العالم من أفريقيا وآسيا وأروبا ولكنهم بأعداد ضئيلة.. وبالرغم من الهوة الكبيرة بين إحصائيات الوزارة والمنظمة إلا أن ذلك لا ينفي أن أعداداً كبيرة من المهاجرين يحطون عصا ترحالهم في صحراء الخليج.
تقرير :أسماء سليمان
صحيفة آخر لحظة