احمد دندش

سعد الدين…(تتونس كأنك…يوم ماكنت ناوي).!

استيقظت امس باكراً على غير العادة، حملت هاتفي الجوال لاطالع الساعة، لأتفاجأ برسالة معلقة على الهاتف، قبيل ان المح اسم المرسل وهو (استاذ سعد)، فتحت الرسالة على عجل، لتطالعني بضع كلمات كانت كفيلة تماماً بإصابتي بصدمة حقيقية وهي: (توفي الى رحمة مولاه الاستاذ سعد الدين ابراهيم).
صدقوني، الاحساس الذى سرى في جسدي بعد قراءة تلك الرسالة لايوصف، فرسائل استاذي سعد الدين التى احتفظ بها داخل جوالي ذات مضمون معروف جداً، فهي اما رسالة اشادة بمقال قمت بكتابته مؤخراً، او هي رسالة عتاب رقيقة وإختلاف في مااكتب، وفي كلا الحالتين فأن مضمون تلك الرسائل كان عندي ذو طعم خاص، يكفي انها ترد الي من استاذ علمني الكثير، وتعلمت على يديه مالم اتلقاه في الكليات الاكاديمية ولا المدارس الصحفية.
بصعوبة شديدة، بدأت في التفكير للتأكد من فحوى الرسالة، وقبيل ان اتخذ اي قرار، قفز الى الشاشة رقم الصديق الحبيب محمد ابراهيم الحاج، لأضغط على زر الاجابة وانتظر، ليأتيني صوته متهدجاً وهو يقول: (البركة فينا وفيكم)…هنا فقط، وصلت الى قمة الانهيار، قبل ان اتمالك نفسي واردد: (لاحول ولاقوة الا بالله).
طوال الطريق الى الحلفايا برفقة الاصدقاء الاعزاء محمد ابراهيم الحاج وهيثم كابو وانا اقلب ذكرياتي مع الراحل، تلك الذكريات التى لن تتجرأ الذاكرة في يوم ما على محوها، فهي ذكريات ذات طابع خاص، كيف لا، والشخصية الاساسية التى بنيت عليها تلك الذكريات هي شخصية استثنائية اسمها (سعد الدين ابراهيم)، ذلك الاعلامي الرقم والشاعر الشامخ والرجل المتواضع لحد البساطة.
لازلت اذكر سؤالي له: (انت يااستاذ سعد ليه ماداير تجيب عربية).؟..ليجيبني ضاحكاً: (ياخي احساس انك وسط الناس في المواصلات ودا يحلف يدفع ليك ودا يحلف دا احساس مابتتوصف)، تلك العبارة التى اكدت ان معدن استاذي سعد الدين ابراهيم مختلف تماماً عن كل معادن البشر، وان دواخله النقية لاتزال تحتفظ بطهرها وبياضها برغم تقادم السنوات وضغوطات الحياة التى تغير الافئدة والدواخل في اليوم الواحد الف مرة.
صدقوني، لن انسى تلك الايام التى كنت محظوظاً فيها بالعمل تحت قيادة الراحل بجريدة الجريدة، تلك الايام التى تعلمت فيها من الراحل الكثير من الدروس والعبر فيما يتعلق بالصبر والمثابرة والاجتهاد، لازلت اذكر جلساتي معه داخل مكتبه واقلامه المتناثرة واوراقه التى غالباً ماتحوي على قصيدة جديدة-قيد الميلاد-.
كنت اجلس الى جواره واتابعه وهو يخط ابيات القصيدة وعلى وجهه ابتسامة، قبيل ان يطلب مني الانصات لما كتب، فأمنحه كل الحواس وهو يردد تلك الابيات قبل ان يسألني بطريقته المرحة: (بالله رأيك شنو).؟..لاجيبه وبسرعة: (يااستاذ سعد اديني ليها عشان اوديها لواحد من الفنانين الشباب يغنيها بدل الغناء العجيب البغنوا فيهو دا)، ليضحك قبل ان يبشرني خيراً ثم يعاود الكتابة.
جدعة:
لن انسى ماحييت الكثير من المواقف التى جمعتني بالراحل، ولن انسى على الاطلاق اشادته بي وانا لازلت متدرباً بصحيفة الرأي العام وهو يوصي اهلها بي خيراً بعد قراءته لمادة صحفية قمت بنشرها، ولن انسى ايضاً قلبه الكبير وحرصه الشديد علينا كجيل جديد في عوالم الصحافة، كما لن انسي ابتسامته العذبة والتى كانت تنسينا الكثير من الحزن وتمنحنا الامل في غد افضل، لك الرحمة استاذي سعد الدين ابراهيم، ولنا الصبر وحسن العزاء، ولاحول ولاقوة الا بالله.
شربكة أخيرة:
بنفس البساطة…والهمس الحنون…ترحل ياحبيبي من باب الحياة…لي باب المنون.