الرئاسة ودبلوماسية التنصيب
> خلال أقل من أسبوع، شارك الرئيس البشير في احتفالي تنصيب رئيسي دولتين مهمتين من دول الإقليم وركيزتين في جوارنا الإفريقي، حيث كان بالخميس في العاصمة اليوغندية كمبالا لحضور تنصيب الرئيس يوري موسيفني الذي أعيد انتخابه لولاية جديدة وهو يحكم بلاده منذ النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي ويعد من أطول الرؤساء الأفارقة عمراً في السلطة، وعدت زيارة البشير إلى كمبالا ومشاركته الرئيس موسفيني حفل أداء القسم، تحدياً لما تسمى المحكمة الجنائية الدولية التي شن عليها الرئيس اليوغندي هجوماً قوياً بالرغم من أن دولته من الدول الموقعة على ميثاق روما المؤسس لها، وظلت مواقف موسفيني واحداً من أهم أسباب الانعطافات في الموقف الإفريقي تجاه هذه المحكمة، كما هو صاحب المبادرة بخروج الدول الإفريقية الموقعة على ميثاق روما من المحكمة، وقد اقترح ذلك على القمة الإفريقية في عام 2014م. > وكان الرئيس البشير قبل ذهابه في زيارة تاريخية إلى كمبالا، مشاركاً في الثامن من الشهر الجاري جيبوتي احتفالاتها بتنصيب الرئيس إسماعيل عمر جيلي الذي حاز على ولاية رئاسية رابعة في الانتخابات التي جرت أخيراً في بلده، وفي كلتا المشاركتين كان الرئيس السوداني باعتراف الجميع هو نجم هذه الاحتفالات ومحور التناول الإعلامي الدولي، لجهة تحديه المحكمة الجنائية وتأكيده بوجوده على دور السودان المركزي وتأثيره في المنطقة. > وسبق ذلك وقبله في مطلع أبريل الماضي، أن كان السودان حضوراً بوفد كبير بقيادة النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول بكري حسن صالح، في احتفالات تنصيب الرئيس «محمدو يوسفو» رئيس جمهورية النيجر بالعاصمة نيامي، وسط حضور كبير من قادة وممثلي دول غرب ووسط إفريقيا، وكان نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن قبلها بيوم واحد في الثلاثين من مارس الماضي في «بانقي» عاصمة إفريقيا الوسطى لحضور تنصيب الرئيس «فوستن تواديرا» الرئيس الجديد والمنتخب للدولة المجاورة للسودان بعد فترة عصيبة وحرب أهلية دامية ونزاع طويل عانت منه هذه الدولة المغلقة الصغيرة، ولعب السودان دوراً مهماً في تحقيق السلام والاستقرار فيها، وله الفضل في تهدئة الصراع المدمر الذي جرَّ عليها تدخلات دولية خاصة من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي تشاد أعلن السودان موقفه الداعم للرئيس إدريس دبي الذي أعيد انتخابه في الانتخابات التي جرت في أبريل الماضي، وآزر نائب الرئيس إنجمينا قبيل الانتخابات بأيام قليلة أكد فيها مساندة الخرطوم لدبي. > لاحظ من جملة هذه التحركات والمشاركات للرئيس ونائبيه، أن للسودان حضوراً بارزاً ولافتاً ومهماً في مجاله الحيوي بإفريقيا، فمجرد حضور الرئيس البشير في أية مناسبة إفريقية بات يعد حدثاً في حد ذاته لأهمية التطورات الجارية في بلادنا، وشخصية البشير ذات النشاط والتأثير الكبير والملحوظ في العمل الإفريقي المشترك، وهو قد وصل للدور التاريخي للسودان في القارة، فالقادة الأفارقة والطبقات السياسية في قارتنا السمراء، دائماً ما تتحدث بفخر واعتزاز ووفاء لما قام به السودان خلال فترات النضال ضد المستعمر، وما قدمته الخرطوم لحركات التحرر الإفريقية منذ خمسينيات القرن الماضي، فما قام به السودان لا يستثني أي إقليم من أقاليم القارة من جنوبها ووسطها وشرقها وغربها وشمالها، فالثورة الجزائرية مثلاً كما قال الرئيس الأسبق والأول وأحد أبرز رموز الثورة الجزائرية أحمد بن بيلا رحمه الله، إن السلاح الذي قاتل به ثوار الجزائر في الخمسينيات كان يأتي من السودان، وكان هناك مدربون عسكريون سودانيون أسهموا في تدريب قوات جبهة التحرير الجزائرية، وتكررت مثل هذه الأحاديث من قادة أفارقة مثل «كنيث كاوندا» في زامبيا، وروبرت موغابي الرئيس الحالي لزيمبابوي، والزعيم الإفريقي الكبير نلسون مانديلا، وسام أنجوما في ناميبيا، ودي سانتوس في أنغولا، والقادة في الكنغو الديمقراطية وملاوي وتنزانيا وكينيا ودول غرب إفريقيا، دعك من دعم الأنظمة الحالية التي وصلت للسلطة بمساعدة السودان في إثيوبيا وإريتريا وتشاد. > هذا الدور التاريخي المتجدد للسودان في المنطقة يؤهله لأدوار أكبر من أجل تحقيق الاستقرار القاري، والمساهمة مع قادة المنطقة في توحيد مواقف القارة، وفتح مسارات بناءة من أجل النهضة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعاضد الأسرة الإفريقية من أجل مصالحها ومنافعها المشتركة والدفاع عن حقوقها ومواجهة المؤامرات التي تستهدف وحدتها، والمحاولات الجارية لسلب حقوقها ونهب ثرواتها والسيطرة على مواردها. > وقد دلت التجربة وما يجري الآن في القارة، أنه كلما اقتربت القيادات الإفريقية من بعضها البعض وزادت معدلات التشاور واللقاءات والزيارات، تقاربت اللحمة الإفريقية وحل التعاون والتفاهم محل النزاعات والخلافات، وتعافى الجسد الإفريقي من علاته، فالسودان تقع عليه مسؤولية ذات جذر تاريخي في التواصل مع جيرانه وكل دول القارة من أجل السلام والأمن والتكاتف الإفريقي، ومن الواجب أن تواصل الحكومة الاهتمام بالملف الإفريقي وإعطاءه أولوية قصوى، فهذا هو محيطنا الذي يؤثر فينا ونتأثر به وفيه مصالحنا الحيوية، وفي ذات الوقت تطبخ فيه المؤامرات ضدنا ويتم استهدافنا من خلاله.