د. عارف عوض الركابي : المعالجات العلمية لممارسات خاطئة في الساحة الدعوية «1»
بيان المقاصد الشرعية للدعوة إلى الله نشرت بهذه الصحيفة في يوم الأحد 17 رجب 1437هـ الموافق 24 أبريل 2016م مقالاً بعنوان: «ظاهرة »تَشَنُّج« و»تَوَتُّر« في الخطاب الدعوي!!» ، ألقيت فيه الضوء على بعض الممارسات التي ظهرت مؤخراً في الخطاب الدعوي لدى بعض من نصّبوا أنفسهم دعاة إلى الله تعالى استخدموا نمطاً معيناً في خطابهم يقلّد بعضهم بعضَهم فيه أسلوباً ومضموناً ونبرة !! نقلوا به بعض أساليب «أركان النقاش» إلى الساحات الدعوية الأخرى في بعض المساجد وبعض حلقات الأسواق، وقد أساءوا بأفعالهم وأساليبهم «المستحدثة» إلى تأريخ طويل مشرق لهذه المنابر في المساجد ولهذه الحلقات في أسواق المدن المختلفة، هذه الساحات الدعوية قد نفع الله بها كثيراً فيما سبق ولا يزال خيرها يمتد في بلادنا، وقد غيّر الله بها كثيراً من الأحوال في في مجتمعنا فانتشر التوحيد والسنة وعرف كثيرٌ من الناس الحق واعتزلوا الباطل بسبب بيان الحق الذي وجدوه من دعاة أهل السنة الذين يجتهدون لهداية أهلهم بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتي هي أحسن، حتى ظهرت هذه الفئة في السنوات الأخيرة وارتسمت طريقاً غريباً في مناقشتها للمخالفين والرد عليهم، امتدت وتنامت حتى أصبحت تركز على السخرية بالمخالف والاستخفاف بخلقته وشكله في أقوال وألفاظ وحركات باتت محفوظة يقلد بعضهم فيها بعضاً، وكأن مقصد الهداية للمخالف ليس هو المقصد الأول للدعوة إلى الله تعالى!! بل وكأنه ليس من مقاصدها أصلاً عند هؤلاء. من باب المساهمة في معالجة هذه الظاهرة كغيرها من الظواهر المتنوعة التي أجتهد لأن أعالجها عبر عمود «الحق الواضح» وحتى لا يستغل بعض أهل البدع مثل هذه الممارسات «الشاذة» فيحصل «التعميم الجائر» لمثل هذه الظاهرة بقصد أو دون قصد وقد حصل ويحصل للأسف لأجل ذلك وغيره رأيت أن أبيّن أن هذه الظاهرة ــ التي هي محصورة في أشخاص بعينهم ومن تلاميذهم ومن هم حولهم أبين أن أهل السنة السلفيين هم أول من ينكر أساليبها، وطريقتها ومنهجيتها التي تعرض بها ما لديها من عرض أو نقد. لذلك كانت هذه السلسلة في «المعالجة لهذه الظاهرة» وأرجو أن ينفع الله تعالى بها، وإن «مما يعالج به «التشنج» و«التوتر» و«التفلت» الذي تشهده بعض جهات الساحة الدعوية والمتمثّل في هذه التصرّفات والأساليب التي ذكرتها من بعض المنتسبين إلى الدعوة إلى الله ممن لم يتأهلوا التأهيل الصحيح لهذا المقام مما تعالج بها: بيان المقاصد الشرعية للدعوة إلى الله، وتوضيح أهداف الدعوة، فإن معرفة الغاية الصحيحة من الدعوة من الأمور المهمة بل الضرورية التي يحتاجها الداعية. فإن من أسباب بعض هذه التصرفات الخاطئة في الساحة الدعوية عدم إدراك هذا الجانب، فلو علم الداعية أن «هداية المدعو» هي أعظم وأول مقاصد الدعوة لأثّر ذلك إيجاباً في تصرّفاته، بطول البال والصبر على المدعو وبذل ما يستطيع من أسباب مشروعة لأجل ذلك.. فقد يحتاج الداعية إلى أن يعطي المدعو من وقته أو مزيداً من جهده، وهذا هو هدي النبي عليه الصلاة والسلام الذي كان يحرص على هداية المدعوين، ويبذل لذلك ما يستطيع، حتى يخرجهم الله به من الغواية إلى الهداية، ومن الضلال إلى الهدى.. ونماذج ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة ومستفيضة.. فإن بعض الدعاة يغلّب جانب إبراء الذمة وإقامة الحجة على المدعو، ويجعل هدايته هدفاً ومقصداً يأتي بعد ذلك، فيجب مراعاة هذا الجانب، والحرص على هداية المدعوين. هذا من هدي النبي عليه الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله.. فإن خير الهدي هديه عليه الصلاة والسلام، وقد أمرنا الله تعالى باتباع سبيله والاقتداء به.. فهو إمام الدعاة وقائدهم وقدوتهم.. وأفضل من دعا إلى الله تعالى.. والحلقة القادمة تكون إن شاء الله في أهمية إدراك الداعية لـــ«مقاصد الشريعة« في الدعوة إلى الله.. وحسبي في هذه الموضوعات المهمة إشارات موجزات تقتضيها المساحة المتاحة في هذه المقالات، وإن هدي النبي المصطفى الرحمة المهداة مما تسعد النفوس بالتذكير به.. وإن مما يوضح أهداف الدعوة إلى الله وغاياتها ما يلي: وإن الله تعالى قد بين أنه لا يعذب أحداً أو قوماً إلا بعد أن يأتيهم الرسول والنذير قال الله تعالى: « وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» فبالدعوة إلى الله تقام الحجة على الخلق. 1ـ لا تخلو الدنيا من وجود نوازع الشر والأهواء والصوراف عن الحق كاتباع الهوى والنفس الأمارة بالسوء. وقد أخبر الله عن المنافقين أنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، فلابد من قيام الدعوة حتى لا يضلوا ولا ينتشر الباطل فبالدعوة يُهْدى هؤلاء الضالون ويقل أصحاب الشر وفساد المفسدين وقد جعل الله الخير دافعاً للشر حتى يقل ويضمحل. 3ـ الدعوة إلى الله ضرورية إذ بها ينجو الناس بإذن الله من العقوبات والمصائب والبلايا، وفي حديث زينب بنت جحش: «إن الرسول قام يوماً فزعاً يقول: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج قدر هذا وحلق إبهامه بالتي تليها.. الحديث، قالت زينب: يارسول الله أفنهلك وفينا الصالحون؟ فقال: نعم إذا كثر الخبث» أو كما قال. والخبث يحمل على أمرين: الأعمال والأشخاص، وبعضهم قال: من الأعمال والأشخاص وبعضهم خصه بأولاد الزنا والخبث عموماً: المعاصي. وقال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» رواه الترمذي. والداعي إلى الله طبيب للقلوب يعالج أمراضها … وفي هذا الزمان كثر وانتشر الفساد، والناس بحاجة إلى هذه الدعوة أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب. 3ـ بالـدعوة إلى الله تتم إقامـة الحجة على الناس قال الله تعالى: «رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل». وأواصل بتوفيق الله تعالى .