ابراهيم دقش : لا أقول وداعاً.. ولكن!
اعتدت احترام قرائي، وأدرك منذ أن امتهنت “القلم” أن من يقرأونك ويتابعونك فيهم من هو أذكى منك، وبالتالي لابد من خلق علاقة مع القارئ تجعله يثق بك، ومن ثم درجت على ألا أمسك بقلمي ما لم يكن عندي ما يفيد القارئ أو يضيف إليه، وأحمد الله إني التزمت للقارئ طيلة مسار “قلمي” وحتى عندما (التقطتني) الحكومة القائمة، كان شرطي معها أن تتركني وشأني مع قلمي وقرائي، وأشهد الله أنها أوفت بتعهد شيخ “علي” عندما كان النائب الأول، فلم تطلب مني مسايرة أو تأييداً فيما أكتب رغم انتمائي للتركيبة الحكومية فيما يختص بالشأن الأفريقي.
وهكذا استمر (عمودي) الراتب في جريدة (الخرطوم)، وبعدها في (السياسي) حتى استدعاني الأخ الأصغر “الهندي عز الدين”. ولم أشأ أن أخذله بعد توقف الجريدتين المشار إليهما.. ولولا اتصاله كنت زاهداً في الكتابة والإطلالة.. ولهذا فهو مثلكم يفاجأ بأني غائب عن الديار والأهل لستة أسابيع حسوماً حسب أوامر الأطباء لأتلقى علاجاً لا يتوفر في بلدنا– تصوروا- والمعلومة لم يطلقها لي سوى اختصاصي العلاج بالإشعاع د. “كمال حمد” الذي زرته في عيادته المتواضعة في شارع مستشفى الخرطوم المزدحم بتوصية من أطباء سودانيين جهابذة في بريطانيا، واستقبلني الرجل بمهنية عالية وصدقية وشفافية فوق التصور: (ليس عندنا علاج بالإشعاع في السودان.. وخياراتك محدودة! إما القاهرة أو الأردن أو لندن أو جنوب أفريقيا أو أمريكا)، وحدّد لي خياره الذي قبلت به لاعتبارات تخصني مادياً ولوجسيتاً.
وتكتمت على إصابتي، فهل يمكن لبشر أن يدق الطبول بأنه دخل مملكة المرض اللعين حتى لو طمأنه أطباء (بلاد بره) بأن الاحتواء ممكن والعلاج ميسور؟؟ وهكذا قررت خوض معركة العلاج بمفردي وبإمكاناتي المتواضعة.. وصدقوني لا أعرف كيف وصلت المعلومة لرئيس دولة أفريقية من الأصدقاء القدامى ورفقاء النضال وقادة التحرر الأفريقي في القارة، هاتفني وزير خارجيته مطمئناً لي بأنهم سيتولون الأمر في جنوب أفريقيا، لكني شكرته وطلبت منه أن ينقل لرئيسه العظيم بأن “أهلي وإن ضنوا عليّ كرام”.
غاية الأمر، إني مرتحل للعلاج لفترة قد تمتد لشهر ويزيد، ومن حقكم عليّ أن أقول لكم وداعاً.. إلى ملتقى بإذن الله.