مقالات متنوعة

عبد الله الشيخ : (أمسِكْ حبْل الصَّبُر)..!

نحن في منتصف شهر مايو.. لقد ذهب جعفر نميري، الذي كانت تحفّه الطلائع بهتاف: أبوكم مين..!
إن كان حراك الشباب قد همَد قليلاً بعد دخول السياسيين القُدامى على الخط، فإن التناغم بين أجيال الشباب والشارع العام، لن يتوقّف.
الشباب هم يقين الشارع و صوته.. هم من يعبرون عن المستقبل ..إذا كانت المعارضة التقليدية عاجزة عن تحريك الشارع، فالبركة في الشباب.
دخول السياسين التقليديين على الخط، زاد من سخط النظام على الشباب.. النظام على إثر ذلك، يُعلن بلاغات التخويف ويؤكد في نفس الوقت، بأن الأحزاب كسيحة وغير مؤثرة..! لم الارتعاب من نداءات الكسحاء، إن لم تكن تخشى (التقاء جيل البطولات، بجيل التضحيات)..؟
أمسِكْ حبل الصَّبُر..هذه الطريقة العتيقة التي تجاوزها الوعي.. هناك جنين يتخلّق في رحم الغيب.. الحكومة تفكِّر بنفس طرائق المعارضة التقليدية، مع أن القدامي، لم يعد لهم صوت في الشارع.. بعضهم يدعم خط الانتفاضة كتكتيك، وبعضهم يحلم باستغلال حراك الشباب داخل المواعين القديمة، دون اعتراف بأن وعي الأجيال الجديدة قد تجاوز تلك الأُطُر.
هذا جيل جديد لا يلتقط الايماءات ولا تشغله عنعنة الكلام.. هؤلاء مناضلو الزمن الصعب.. سمة هذا العصر هو سقوط الايدلوجيا والوصفات الجاهزة.. ربما خفّ حراك الشباب مؤخراً، بمجرد أن أدخل القُدامى)خشومهم(فيه، بالتعليق، أو بالنصح والتوجيه.. نحن لا نتّهم الحراك الشبابي بأنه كان مزاجياً ..كلّا، إنه حراك قائم في الأصل على مسببات وحقائق موضوعية، إنما الثقب الذي يتسلل من الوَهَن هو أطماع القدامى في ركب موجة الحراك وتوجيهه.
القدامى طامِعون.. القدامى جميعاً، من عند الحاكمين بأمر السماء منذ المصالحة الوطنية 1977 وحتى الآن، يُضاف إليهم بعض ملوك الطوائف، الذين ينقسمون بين مُفاوِض ومُراوِغ ينتظر الوثبات من بعد الوثبات.
القدامى جميعاً تجاوزهم وعي الشباب.
حركة الشباب خفّ أوارها حتى أدخل القدامى )خشومهم( فيها، لكنها لن تخمُد..الكبير لم يعد كذلك، إِذ يُناور من أجل مكاسبه الشخصية، إِذ هو)يُهيب (بأولاد الناس لمواصلة الكفاح والنضال من أجل إسقاط النظام، بينما أبناؤه ينخرطون في ذلك النظام..!
إن كان يقول إنه يحترم خيارات أبنائه، فإن لشباب الشارع خياراته.. لم يعد هناك حضور، لأمثال هؤلاء المُربكين (المجهجهين)، الذي تنتهي فورة نضالهم مع استلام الدفعيات.. الحراك لم يتوقف مهما استخدم النظام وسائله في كسر العظم.. العظمة لله، ولهذا الشعب.. التغيير من مبتدأ الفكرة وحتى تجسيدها على أرض الواقع، تقوم على جهد الشباب ..التغيير-تاريخياً- كان ينطلق من الجامعات، لكن ليس بالضرورة، أن يبدأ الزحف من تلك الناحية التي تم بيعها، ثم أُغلِقت أبوابها .. يمكن أن يبدأ الزحف /التغيير من أي مركز ثقل آخر..
الحقيقة التي يجب أن نضعها في الحسبان، هي أن الوعي قد تجاوز الأُطُر القديمة، بالتالي فإن التحدي هو في مقدرة الشباب على إدارة الحراك، حتى لا تسرقه البيوتات أو نخبة الشخصيات الوطنية، كما حدث في أكتوبر وابريل.
التحدي أن يكون رفض الشباب للأُطر القديمة إيجابياً، بأن يتم التعبير عن ذلك من خلال موجهات واضحة ترسم معالم الطريق.. الحراك الشبابي مطلبي في جوهره، لكنه سياسي في نهاياته القصوى.. الحراك تحرّكه عناصر مسيّسة، ولذلك فهو ليس بعيداً عن القوى الفاعلة في الساحة .. الحراك الذي فار تنّوره مؤخراً، لم يرقى إلى أن يكون انتفاضة، لكنه تراكم المنظور، الذي سيستمر صعوداً وهبوطاً، حتى تلحق به الحركة الجماهيرية المنظمة، ذات القيادة والبرنامج..الصراع لم يتوقف، ولن يتوقف، طالما أن أسبابه قائمة …خُذ هذا القول للفيتوري:ـ ) نأتيك بالأوجه المطمئنة، والأوجه الخائفة / بتمائم أجدادنا، بتعاويذهم، حين يرتطم الدم بالدم، بالصلوات المجوسية الخاطفة / بطقوس المرارات، بالمطر المتساقط في زمن القحط، بالغاب والنهر والعاصفة)..!