عبدالله إبراهيم علي : عندما نحول عناد الأطفال إلى تعاون
قد يشتكي أحد من طفله بأنه كثير الحركة ولا يسمع الكلام، وأحيانا يعاند ولا يستجيب للنصائح، هذه الأشياء غالباً ما تظهر للطفل فوق عمر السنتين، لأن الطفل في مرحلة قبل السنتين من عمره يكون مرتبطاً بوالدته ومعتمداً عليها، لأنها هي التي توفر له حاجاته، ولا تظهر عليه مؤشرات العناد في سلوكه في هذه الفترة، والعناد ظاهرة سلوكية في حياة بعض الأطفال، إلا أنها ليست بالخطورة الكبيرة، غير أنَ ذات الظاهرة قد تكون أفضل بكثير من الشخص السلبي الذي لا يستجيب للأشياء، ليكن الطفل معانداً أفضل من أن يكون انفصامياً منعزلاً عن الآخرين.
والسؤال المطروح: لماذا يعاند الطفل بعد عمر السنتين إلى الثلاثة؟ فالإجابة لأنه يشعر بالاستقلالية في هذه المرحلة ونتيجة لنمو تصوراته الذهنية، يرتبط العناد بما يجول في رأسه من خيالٍ ورغبات، حيث تزيد هذه الظاهرة أكثر في سن المراهقة، فيأتي العناد تعبيراً للانفصال عن الوالدين، وانفراد المراهق بميوله الخاصة ورغباته التي يريد أن يحققها بنفسه وتصرفاته التي لا يريد أن يتدخل فيها أحدٌ، بل يريد أن يكون المراهق بمفرده أو مع أصحابه المقربين.
أما الطفل فيظهر عناده في عدم سماع الكلام، وقد يصر على محاولة شيء وتكراره برغم الفشل، وقد يظهر غضبه مع أمه فيرفض الطعام حتى ولو كان جائعاً، ظناً منه أنه بذلك يحاسب أمه ويعاقبها، كما يجب ألا تعطي الأم أمراً ويأتي الأب ويعطيه أوامر أخرى مخالفةً تماماً لأوامر أمه، وهنا تحضرني عبارة: (صراع الفيلة تدفع ثمنه الأعشاب)، والضحية هنا هو الطفل، فالأوامر أصلاً مرفوضة في التعامل بها كلغة مع الطفل، فالأفضل أن نستخدم معه لغة حبذا لو عملت كذا وكذا أو الأفضل أن تتصرف بكذا وكذا مع انتظار وجهة نظره واحترامها في حدودٍ معقولة، كما أن عدم التوافق نفسه بين الأم والأب في آرائهما مع طفلهما مشكلة، لأنه يرفض الأوامر واللهجة الجافة، كما يرفض الضرب والشتيمة، لأنها تشعره بالمهانة والانكسار، ولكنه يتقبل الرجاء، فالطفل ذكي يعرف كل اللغات والأفكار الصادرة من والديه، وعموماً الوسطية في كل شيء مطلوبة مع التوافق بين الأم والأب في توحيد كيفية توجيه الطفل، حتى يشب على النهج السلوكي السليم.
في المقابل إصرار الطفل على رأيه أو عناده أو نشاطه الزائد عن الحد في تقديري يعتبر مؤشراً لاستقلالية الطفل عندما يغدو كبيراً، فيشب معتمداً على ذاته ومكتشفاً لنفسه وقدراته وصاحب قراره مستقبلاً.
إذن عندما نواجه ابناً من أبنائنا كثير الحركة ويعاند كثيراً، المطلوب منا كأولياء أمور مجاراته ومتابعته جيداً والصبر عليه والتصرف معه بحكمة، وأن نتقرب منه بقدر الإمكان بالجلوس معه والتحدث إليه، وإذا لم يكن عندنا وقت كافٍ، فليكن ذلك على مائدة الطعام، ولنحرص أن نأكل معهم لأنهم يرفضون بحجة التلفزيون أو الألعاب الإلكترونية، وعدم محاسبتهم على أخطائهم على شيء مضى، فالأفضل محاسبتهم ومراقبتهم أولا بأول قبل أن ينسى ليكون مواكباً وعارفاً بالحاصل، فضلاً عن أنه يعرف أن هناك عيونا تتابعه فيعمل حسابه ويعتدل.
أخيراً لنغرس القيم الجميلة في صغارنا منذ نعومة أظفارهم، فيشبوا مثلنا ويتشبهوا بنا ويقلدونا في كثير من الأمور، فالمفهوم التربوي يشير إلى أنه عندما يمشي الطفل مع أبيه يخاف عليه والده، فيقول له “اعمل حساب خُطاك”، فيقول الطفل الصغير لأبيه”اعمل أنت حساب خُطاك، فأنا أخطو خطواتي وراك”.