البشير فتح الرحمن البشير : توارى القمر خلف السحاب – “سعد الدين إبراهيم”
لم يكن من أصحاب القبعات التي زين وتزين بها الكثيرون من من هم دونه، يرتاد الأسواق ويتجول في الشوارع دون أن يظهر بأنه يحمل هموم البسطاء والمساكين بأكثر ما تحمل فروة رأسه من شعره الكثيف، آثر على نفسه أن يعيش كما يعيشون، لأنه من فصيلتهم، من أجمل ما صادفت هو لم يكن لقائي به في قاعة مزينة أو مكان بارد، بل على متن حافلة ساخنة تقل جزءاً من أصفيائه قصرت معي الصدفة التي لم تجلسني بجانبه، اكتفيت بلفظ يستحقه سلام يا أستاذ، لم أتفاجأ بأن قيمة تذكرتي مدفوعة، استشعر الشارع شعراً ترجمة له وكتابة، لم يفرغ من محتواه إلى أن فارق، ولم يتبدل أو يتزحزح عن مبادئه التي كانت تشكله، عاش آملاً رغم اليأس، دائماً ما يخوض معاركه في كل الساحات من أجل أن ينتصر للجمال، مألوف لغير معتاديه حتى أصبحوا من مريديه، تنكر لكل ما استحقه من أجل الجماعة لأنه شخص جماعي، كان في أغلب الأوقات جليسي الذي لا يمل كل يوم، أتعرف عليه من زاويته حتى أفرغ سحر ذاته المكشوف في ذاتي، دائماً لم أره في شكله، بل أراه من دواخله رغم الجمالين، كل ما يستره الجسد من محاضن للعيوب والضغائن والصدق والحب يحمل فيه حباً ونقاءً وجمالاً لغيره، توقن بأنه هو “سعد الدين” الصادق الذي يسير وليس هيكله، أبسط ما رأيت من البسطاء على وجه البسيطة، يستوحي إلهامه من ملامسته لغيره ليتحول من المُحس إلى الحاس، طهر نفسه يؤكد نبل غايته، عاش كما رحل في وضع الهدوء خلقاً وخلقة، مات وفي يده خيط ملء العقد آملاً في حلها، موجز الكلام كثير المعاني والحكم، لم يهرب منه الوجه وإن عفى عنه الكثير، أخص ما يميزه بأنه ناشد للحياة بكل جمالها، استطاع أن يضمضم الحروف بحسه المرهف منتجاً أدسم غذاء للروح، تواري القمر خلف السحاب لا يعني غيابه، بل يرسل ضوءاً أهدى، لوَّن فترة عمره القصيرة الطويلة بما لا تألف نفوسنا لوناً مثله، أحياناً يتميز شخص ببعض الميزات إلا هو فإنه الشخص المميز كله، خجلت من نفسي لتقصيري في حقه، لا يعني دفنك عندنا فراقك وتغييبك، بل حي في القلوب ما بقيت تنبض فينا، لأن البذرة عادة لا تنبت إلا بعد دفنها.
أسعد “سعد” بسعيه للسعادة سعاتها
فاسعوا كسعيه استعادة للسعادة