حكاية حركة حاولت الإنتحار على مشارف أم درمان
يصادف العاشر من مايو الذكرى الثامنة لإحداث أم درمان التي حاولت خلالها حركة العدل والمساواة الدخول إلى أم درمان عن طريق جيش أعدت نصفه من الأطفال الذين اختطفتهم من جنوب كردفان ودارفور بمساعدة الحركة الشعبية وبعض الدول المجاورة التي كانت تكيل العداء للسودان وقتها، والتي قامت بتوفير أجهزة الإتصال الحديثة للحركة ومدتها بمعلومات مناطق تمركز القوات الحكومية.
فقدان الحركة لبنيتها العسكرية
لم يكن ضمن حسابات الحركة أن تتوفر معلومات تحركاتها العسكرية ومناطقها المستهدفة للحكومة لذلك ارتكبت أكبر الأخطاء وحكمت على قواتها بالموت المحقق، حيث عجزت عن معرفة وتحديد إتجاهاتها داخل أم درمان، كما أن جهلها بمداخل ومخارج العاصمة جعلها تتعرض للهزيمة النكراء (بحسب خبراء أمنيون) الذين أوضحوا أن أهم الأخطاء التي لم تتحسب لها حركة العدل والمساواة هو القتال في المناطق المبنية والتي يصعب القتال فيها لأنها تتطلب دقة وكفاءة عالية ومعرفة بالأرض.
كانت معركة أمدرمان قاصمة الظهر الأولى للحركة، خاصة أن بعض القادة وقتها قد اعترضوا على قرار دخول أم درمان لعلمهم التام بقدرات القوات النظامية المناط بها الحفاحداث-امدرماناظ على أمن واستقرار البلاد ولكن رئيس الحركة تجاهل اعتراضاهم، وبعد إجتماع عاصف صدرت أوامر من خليل بتحريك قوات الحركة نحو الخرطوم بأربع متحركات، ونجحت الحركة في الوصول لوادي المقدم وهو وادي في الولاية الشمالية ويبعد عن الخرطوم حوالي (400) كيلو متر.
وبعد وصول الحركة لطريق شريان الشمال ومشارف أمدرمان فى الساعة الثالثة صباح يوم الجمعة 9/5/2008م وكانت تحمل في جعبتها خطة عسكرية وسياسية وأمنية أسمتها (الذراع الطويل)، لكنها لم تجن منها سوى الفشل والتدمير، وقضت القوات المسلحة على بنية الحركة العسكرية، وأدت إلى فقدان خليل لمستشاره الخاص الجمالي حسن جلال الدين، واعتقال أخيه غير الشقيق عبد العزيز نور عشر والعشرات من جنوده وقادة الصف الأول في الحركة.
تلاحم المواطنين
خلفت معركة أم درمان إهتماماً غير مسبوق من قبل المواطنين بأدوار القوات المسلحة وانتصاراتها وتبين ذلك من خلال الزيارات المكثفة التي قاموا بها إلى المعرض الذي أقامته محلية أم درمان وعرضت من خلاله الأجهزة والمعدات والسيارات التي استخدمتها حركة العدل والمساواة في محاولة لدخول أم درمان، بجانب أنه ظهر تلاحم كامل بين القوات المسلحة وقوات الشرطة والأمن مع المواطنين الذين أكدوا انسجام مدينة أم درمان وتميز نسيجها الإجتماعي الذي وقف في صف واحد مع القوات النظامية في وجه المهددات الأمنية.
وأكثر ما دلل على التلاحم الشعبي بين أبناء السودان هي تلك الوقفة التاريخية من المواطنين التي ناصرت من خلالها الأجهزة الأمنية في القبض على فلول حركة العدل والمساواة الشيء الذي عده الكثير من المراقبين بأنها أقوي صفعة شعبية تتلقاها الحركة، وجاء هذا التلاحم متزامناً مع تضحيات عظيمة من قبل القوات النظامية التي احتسب عدة شهداء مثلوا قمة التضحية والبذل من أجل الدفاع عن مكتسبات الأمة وتوجهاتها.
يقظة القوات النظامية
على الرغم من الدعم اللوجستي الذي تلقته حركة العدل والمساواة للدخول إلى أم درمان وتحقيق حلمها في السيطرة على السلطة وحكم البلاد منفردة إلا أن يقظة القوات المسلحة حالت دون تحقيق هذا الحلم إذ كبدت الحركة خسائر في الأرواح وتمكنت من تدمير متحركاتها وهزيمته وأصبح جنود الحركة بين قتيل وجريح وأسير، واستولت القوات النظامية على أكثر من (68) سيارة بكامل أجهزتها وعتادها من الذخائر والأسلحة والقذائف الصاروخية، ودمرت (75) عربة تدميراً كاملاً.
زخم إعلامي
حاولت حركة العدل والمساواة التعويل على التضخيم الإعلامي الذي كانت تتوقع أن تحصل عليه بدخولها أم درمان وإثباتها للمجتمع الدولي بأنها أقوى الحركات الدارفورية وأنه يمكنها تغيير النظام بقوة السلاح من داخل الخرطوم، لكن الدولة حالت دون تحقيق ذلك الحلم بالمحاصرة الإعلامية القوية التي قامت بها من خلال النقل الحي والمباشر للأحداث التي دارت بالصورة والصوت بواقع الأحداث التي كذبت إدعاءات وإفتراءات حركة العدل والمساواة في السيطرة على مدينة أم درمان، كما تمت إتاحة الفرصة واسعة لكل القنوات الفضائية في نقل وتمليك المعلومات التي تؤكد هزيمة العدل والمساواة على مشارف أم درمان.
ظلال سالبة
ألقت الهزيمة التي تلقتها حركة العدل والمساواة في أم درمان بظلالها السالبة على الحركة وافقدتها بعض الداعمين الذين فقدوا الأمل في إمكانية أن تحدث الحركة تغييراً في منظومة الحكم بالبلاد عن طريق السلاح، وتقطعت السبل بها حيث لم يكن بإستطاعتها إقناع مؤيديها من المواطنين في دارفور بأنها تدافع عن حقوقهم، الأمر الذي جعلها عرضة للإنشقاقات والإنقسامات بل أنها اتجهت إلى الإرتزاق في ليبيا وجنوب السودان لجلب الدعم الذي يمكنها من الحفاظ على لافتتها العريضة.
تحطيم إقتصاد البلاد
خسارة الحركة في أم درمان جعل قادتها خاصة بعد مقتل خليل إبراهيم يتجهون إلى إعداد إستراتيجية جديدة للحركة تمكنها من تغيير نظام الحكم واتجهت إلى التخطيط لتدمير مناطق النفط لإعتقادها أن تغيير النظام لابد أن يقوم على تحطيم إقتصاد البلاد، وساعدتها دولة الجنوب في توفير الأسلحة والذخائر والتدريب عبر خبراء من إسرائيل، لكنها يقظة القوات النظامية منعتها من استهداف مناطق البترول وحصر معاركها في منطقة (قوز دنقو) بولاية جنوب دارفور حيث وجدت قوات الحكومة في انتظارها حيث قتل معظم جنود الحركة وتم الاستيلاء على (163) عربة لاندكروز وعدد من الدبابات والأسلحة.
وبين معركة أم درمان وقوز دنقو حدثت كثير من المتغيرات بدارفور حيث لم يعد المجتمع الدولي متحمساً للوقوف في صف الحركات والشاهد على ذلك انشقاق القادة الميدانين عن الحركة الذين شاركوا في أحداث أم درمان أمثال بشير السنوسى ومحمد بحر ومهدي جبل مون وغيرهم من القادة، وتغيرت الأوضاع الإقليمية حيث لم تعد الدول الداعمة لهذه الحركة تقدم الدعم بعد تحسن العلاقات السياسية بينها والحكومة.
كانت مغامرة الحركة لإجتياح العاصمة القومية في وضح النهار درساً لم تستفد منه الحركة إعلامياً ولا تنظيمياً حيث تعرضت خلال السنوات التي تلت أحداث أمدرمان إلى أكثر من عشرة إنشقاقات متتالية وأصبحت عبارة عن حركة تدار من قبل شخصين فقط.
تقرير: رانيا الأمين
(smc)