هنادي الصديق : خارج نطاق التغطية
* أمريكا روسيا قد دنا عذابها، وما دايرين دقيق فينا قمحنا كتير بكفينا، يا أمريكا لمي جدادك، لن يحكمنا البنك الدولي، نأكل مما نزرع، الزارعنا غير الله اللي يجي يقلعنا.. (هذه الشعارات التي سادت في العشرية الأولى للأنقاذ واستعدت بها العالم بعيداً عن أدب الدبلوماسية المعروف، والذكاء السياسي، هي التي جلبت لنا العزلة والحصار الاقتصادي الحالي.
* والغريب أن أياً من هذه الشعارات الشهيرة وان كان يتحمل وزرها الاسلاميون (شعبي، وطني) لم تُطبق حتى يومنا هذا، فقد جففنا حقول القمح وإتجهنا للاستيراد الذي كسر عظم الدولة، وحكمنا البنك الدولي ومارس علينا أقسى أنواع التعذيب الاقتصادي، وسقطنا في وحل الديون الخارجية والقروض التي لم يكن لها داعٍ.
* الحصار الاقتصادي الحالي ليس بعيداً لاينفصل عن التوجهات السياسية التي تبنتها الانقاذ في عهدها الأول والتي ندفع ثمنها حتى اليوم ، وبالتالي جلبناه بأيدينا، وأدى إلى شلل شبه تام في الحياة الاقتصادية بالسودان، عانى منه المواطن بالدرجة الأولى، بينما لم يؤثر ولو بنسبة 1% في كبار قيادات الدولة خاصة الممسكين بخيوط اللعبة.
* المسؤولون حالياً، يجتهدون في تبرئة ساحتهم من هذه العزلة ويرمون باللائمة على الجميع بلا استثناء، وبالأمس القريب طالب وزير الخارجية في إحتفالية خاصة بالاتحاد العام لعمال السودان، برفع الحصار الاقتصادي عن السودان، باعتباره أدى الى جملة من التأثيرات، قبل أن يكشف عن مصادرة «15» مليار دولار من منظمة الوحدة الإفريقية كانت محولة لتدريب العمال بالسودان.
* والسبب كما ذكر الوزير، هو الحرب بجنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور، ولا أحد ينكر هذا السبب القوي في استمرار الحصار، ولكن يمكن تلافيه ببساطة حال وقف الحرب .
* في إعتقادي الشخصي أن الحرب وحدها ليست هي السبب المباشر في هذه العزلة، فالسياسات غير الرشيدة، والفساد الضارب بأطنابه إضافة إلى غياب الوعي السياسي، وضعف الكادر المسؤول عن وضع السياسات العامة بالدولة في مرحلة من مراحلها أثرت فيها حتى الآن جعلت السودان وكأنه خارج نطاق التغطية الدولية.
*كثيرة هي المواقف التي أبعدت السودان عن مواقع صنع القرار إقليمياً، بعد أن كان صانعاً القرار في وقت سابق متقدماً على جميع الدول التي كانت في السابق تلجأ إليه لوضع سياساتها ولبناتها الأولى في بناء الدولة.
* حتى مشاركاتنا والتحولات التي طرأت على مواقفنا الخارجية، لم نجنيها بالشكل المطلوب ولم تعد لنا بالخير الوفير، ولذلك لابد من مراجعة المواقف وإعادة النظر في الحسابات، مع وضع تصورات مستقبلية.
* من الواضح أن الدولة (ماشا بالبركة) ، ولا مجال للتغيير المنتظر وفك الحصار إلا بتنحي النظام الحاكم، وتشكيل حكومة تكنوقراط من كفاءات سوادانية خالصة من الداخل أو من الذين فضلوا خيار الهجرة أو الذين تم تهجيرهم بواسطة الصالح العام.
* الوضع الحالي لا يبشر بخير، والضغوط ستتزايد بلا شك، والدولة والمواطن أصبحا في (عنق الزجاجة) ، والخيار العاقل يؤيد فكرة التنحي وإبدال النظام الحالي بالتكنوقراط، وإلا فالقادم أسوأ.