عبد الله الشيخ : وردية «الشعوعي»..!
كلّما انقطع تيار الكهرباء، بموجب جدولة القطوعات، أو«مغسة ساكت» أشارت الحاجة ست النّفر، إلى أن السبب في ذلك هو المهندس «الشعوعي» الذي يبدأ ورديته بقطع التيار عن المواطنين الأعزّاء..! «الشعوعي» وليس الشيوعي، وقرت في صدر الحاجّة ست النّفر، فلم تنساها، منذ لقاءات المكاشفة، التي كان النميري ــ يرحمه الله ــ يعصِر فيها على «الشيوعيين» ويحمّلهم كل البلاوي الحاصلة في البلد، من أزمة الرغيف إلى نضوب الماء في المواسير أو اعتكارها.. إذا ضرب لستِك في الشارع أو تعطّل قطار في عطبرة، أو طلعت مظاهرة في مدني.. إذا انقطع سلك تليفون في كوستي.. وزي ما انتو شايفين، نِحن قُدام، من زمن التليفون اللي كانوا بيربطوهو بالطبلة..!
بذلت جهداً وما أفلحت في إقناع ست النفر، بأن الأوضاع السياسية قد تغيّرت، وأن الحكومة اليوم، ما شاء الله كان، تحت سيطرة «داس» ــ دولة الإسلام في السودان ــ وأن القوي الأمين قد ملأ قاشات الوظائف كلها، وأن «العبّاد الزهّاد، الجّافوا النوم وعقدوا الراي» يحكموننا بما قالت المشيئة.. جادلتها كثيراً، بأن أهل الابتلاء أنفسهم على استعداد الآن، للاعتراف بأنهم خلّصوا أرض السودان من فلول المأفونين، وأن إجراءات الأسلمة التي اتّبعوها قضت على طوائف اليسار، و«عدّمتهم نفّاخ النار» في كل مكاتب الخدمة المدنية.. الحاجة ست النّفر لم تقنتع بهذا، وطبعاً هي برضو متابعة، وشايفة وعارفة، إنو جماعة تنظيم الدولة، برضو ما مُقصّرين.. أي اجتماع مفصلي مفيد في خط المواجهة، تطلع ليك طائفة من الهنود الحُمر بالذخيرة الحية، للذود عن الدين ومواجهة الخطر الذي يتهدد العقيدة..! أي حاجة تتشابك عليهم ينسبوها للملحدين، أو لليسار الأمريكي، وطبعاً اليسار الأمريكي دي حكاية تانية ــ مكنة جديدة ــ يؤكد بها قائلها، اطلاعه على مجمل التغيّرات الفكرية التي تجري على مستوى العالم..!
هم بأنفسهم يؤكدون أنهم «نظّفوا» المكاتب من أي زول ما عندو علاقة بـ «داس».. قلبوا عاليها سافلها، وأخرجوا المندسين من كافة مرافق الخدمة المدنية، حتى أنه ليصعُب على مفكر، مثل أمين حسن عمر – الذي يُقال إنه بدأ ماركسياً لينينياً ثم انتكس – يصعُب عليه أن يتبجّح جماهيرياً، ويقول إن القطوعات التي أقضت المضاجع، هي من صنع الكفرة، أو الملاحدة، أو نحو ذلك.. ومع انتفاء إمكانية تحميل البلاوي للمغرضين، بعد الذي حدث من تمكين، لجأ بعضهم إلى نسبة الابتلاءات إلى قضاء الله وقدره..! كل الدنيا تعرف أن هيئة الكهرباء، هي ملك حر، وفي أيادي مهندسي التنظيم «المتوضئين»..! لكن هذا لا يمنع المواجِد ولا يوقف «….»..!
يمكن لأي مفكر إستراتيجي من «أولاد الحركة الإسلامية» – كما يسميهم حسين خوجلي – أن يسطو على الحقائق ويدّعي ما يشاء.. إن لم يقل إن قطوعات التيار، سببها مؤامرة شيوعية دنيئة، سيقول إن أعداء الشرع يقفون وراء حركات «علمانية» مثل قرفنا، وكفاية، أو يقول إن عملاء الصهيونية والصليبية، يحرضون المعارضة ويمولون الجبهة الثورية، والحركة الشعبية..إلخ.. معلوم أن الخدمة المدنية، في هذه المرحلة خالية تماماً من أي احمرار – والعياذ بالله – إلا أن التعليق على شمّاعة المارقين لم تتوقف.. عضم الدعاية الذي قامت عليه مايو، هو نفسه لم يزل باقياً، والحاجّة ست النفر لا ترضى عنه تبديلاً أو تحويلاً.. كل يوم تهزه وتتكئ عليه.. حاججناها، فما اقتنعت بأن الأوركسترا غادرت الميناء، وأن دولة الإسلام في السودان، قد انتهت بالمأجورين المخربين، إلى الصالح العام والمنافي البعيدة.. لم تصدّق الحاجة ست النفر، وما زالت مُصرّة على أن المهندس «الشعوعي» هو السبب..!
كلما أطبق عليها الظلام، أو ساح ثلجها في الفريزر، رفعت احتجاجها مسبوقاً بالعبارة «أها»..!
«أها.. الشعوعي مسك الوردية»..!