تحقيقات وتقارير

الكاتب السوداني الطيب عبد السلام: فصلوني من الإذاعة بعد أسبوع من فوزي بجائزة الطيب صالح

من صلاح الدين مصطفى: لم يكن الكاتب السوداني الطيب عبد السلام يتوقع أن تكون مكافأته على نيله جائزة الطيب صالح للقصة القصيرة في السادس من نيسان/أبريل الماضي، إيقافه عن العمل في الإذاعة السودانية.
يقول الطيب لـ»القدس العربي»: «مع الأسف، بعد أسبوع من فوزي بالجائزة، وبدلا من أن تستقبلني الإذاعة بالورود، استقبلتني بقرار إيقاف لا أعرف له حتى اللحظة أي مبرر، في ما يتعلق بعملي الوظيفي». ويضيف: «أثناء ذهابي لعملي المعتاد بكل همة وتفاؤل فوجئت بورقة تمنعني من دخول الإذاعة، أجريت كل الاتصالات اللازمة للإحاطة بالأمر إلى أن التقيت بمدير الإذاعة نفسه، الذي ذكر لي أن ثمة فائضا في المتعاونين، فطالبتهم بإعطائي ورقة تثبت ذلك الأمر، لأتمكن من مزاولة حقي القانوني في الطعن في هذا القرار لدى مكتب العمل، والمضي قدما فيه حتى أستطيع نوال حقي القانوني الذي كفله قانون العمل، ومر حتى الآن زهاء الشهر من دون أن أعرف أسباب إيقافي، أو أحصل على وثيقة تجعلني أطالب بحقي قانونيا.
يقول الطيب إن الإذاعة السودانية تمر بوقت شديد القسوة من عمرها في كل مناحيها في ما يتعلق بموظفيها، وفي ما يتعلق بأجهزتها، بل وفي ما يتعلق بأماكن الصرف الصحي!
ويضيف: «يبدو أن شيطان الصالح العام والفصل التعسفي ما زال باقيا في كل المؤسسات، من منطلق اتفاق غير مكتوب وهو «الصمت مقابل الوظيفة»، وهذا ما لم يجدوه فيّ فظللت طيلة عملي محافظا على نشاطي التوعوي الفكري المتقاطع مطلقا مع مشروع الإسلام السياسي، من دون أي خدش في مهنيتي الإعلامية». ويسرد واقعا أليما تعيشه إذاعة أم درمان في تشريد المتعاونين والموظفين عبر تأخير الرواتب لأكثر من ثلاثة أشهر ويقول: «لك أن تصدق أن راتب شهر فبراير/شباط صرفته الإذاعة في شهر أبريل/نيسان»!.
الطيب عبد السلام المولود في مدينة رفاعة في الخامس والعشرين من آب/أغسطس 1989 تخرج في جامعة الخرطوم «مدرسة العلوم الإدارية عام 2010، نال جائزة الطيب صالح في القصة القصيرة في دورتها الثانية في العام ذاته، وعاد بعد ستة أعوام لينال الجائزة ذاتها في هذا العام، عمل منذ عام 2011 في إذاعة البيت السوداني مذيعا للربط ومعدا ومقدما للبرامج وكتابة الدراما الإذاعية والإخراج.
النص الذي فاز به للمرة الأولـــى بجـــائزة الطـــيب صالح2010 كان بعــنوان «انطفـــاءة ظل» يقول: «أفضل ما قدمــته لي هذه الجــائزة هو تقـــديمي وبقوة إلى الوســــط الثقـــــافي فـــي ذلك العمــــر، ومنــــها كان قـــراري النهائي بمفـــارقة مجال دراستي وتكريـــس حياتي لمشروعي الكتابي والفكــــري». ويقول ردا على سؤال حول مشاركته للمرة الثانية في هذه الجائزة: «صراحة اطلعت على أغلب النصوص الفائزة في الأعوام الماضية، ومن هنا كانت رغبتي الحية في رفد المسابقة بنص يرفع مستوى المشاركات فيها، وقد يخال إليك أن هذا الأمر هو غرور مني ولكنني شخص يعي قيمة ذاته الحقة».
ويضيف أن النص الفائز يحكي عن علاقة حب بين محارب في الجيش وفتاة من جنوب السودان عقب السلام، وكيف قضى الانفصال على هذا الحب. ويتطرق النص لمسألة اختطــــاف الشــــباب من الأسواق ليزج بهم في حـــرب، في وقائع ظاهــــرها الدين وباطنها النفـــط، ويتحدث عن حـــياة هذا المقاتل الطويلة في الحرب ويأس زوجته وأولاده من عودته.
ويقول «الفوز للمرة الثانية يعني لي أمرا واحدا وهو أن الطيب لم تختطفه السياسة وما زال ممسكا بمشروعه الإبداعي من دون ان يتراجع عن مكانه الذي وصل إليه قبل خمسة أعوام».
ويقول الطيب إن الوظيفة سواء أكانت في أجهزة الإعلام أم غيرها لا تحقق الأمان الاقتصادي، لأن أعلى سقف للإذاعي مهما كانت درجته يحق له صرفه هو ألفا جنيه فقط وهو مبلغ لا يحقق الحد الأدنى من متطلبات الحياة الشرسة والمتصاعدة، وفي ظل القيمة المتلاشية للجنيه أمام الدولار، ويضيف: رغم ذلك يتم حرمان الكثيرين من هذا الأجر الزهيد بتأخيره وبقرارات الفصل والتشريد. لكن بقدر ما أنا حزين على الحال الذي آلت إليه الإذاعة فقد لبت في داخلي شغفا لعشقي الكبير لهذه المهنة التي أحب، وقد كتبت قصة «استديو» من وحي عملي في الإذاعة، وقد نشرت مجلة «تونس الفتاة» مشكورة هذه القصة، لكن بكل هذا الإشراق فإن العتمة هي التي تفرض نفسها في نهاية المطاف».
وعن الثقافة في السودان يقول : «لقد فشل السودان في كل شيء، وفي أكثر المجالات التي تجد التمويل من الدولة مثل الرياضة فنحن نستقبل كل عام «قطبينا الكرويين» عائدين بالهزائم الثقيلة من الخارج، على الرغم من كل تلك المبالغ التي تدفع لهما، في المقابل حقق الكتاب السودانيون الملاحقون والمضيق عليهم، نجاحات كبرى في مجال الكتابة، وليس أبلغ من ذلك حمور زيادة وحامد الناظر وطارق الطيب وعبد العزيز بركة ساكن وغيرهم».
في ما يخص تعبــــير القصة عن هموم شعبها، يقول الطيب إنه ضد فكرة الأدب من أجل الأدب، بل على الكاتب تبني مشروع فكري واضح من دون السقوط في هاوية الهتافية، ويضيف: «وأظن أن ثمة مجلات كمجلة البعيد وصفحة أحصنة استطاعتا حفظ هذا المنتوج الثر ليوم أغر يقود فيه الكاتب وعي مجتمعه ويمسك فيه السياسي المستنير زمام إدارته، ونحن نناضل من أجل ذلك بكل نفس نتنفسه تأسيا بما قاله المفكر الراحل الخاتم عدلان «إسمعوا مني وانشروا عني، لقد عشت حياتي كلها أدعو للاستنارة وأحارب الخرافة ولو تبقى من عمري يومان أو ساعتان وأنا قادر، لنشرت فيهما الاستنارة».
ويرى الطيب عبد السلام أن الكاتب الجيد هو ناقد جيد لأنه أول من يتذوق ما كتبه فيحس بنقصان «المقادير» أو زيادتها، وهو يهتم برأي القارئ ويعتبره ناقدا حصيفا لما بين يديه ويتواصل معه بشكل مباشر في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ويضيف: «القاص والناقد عيسى الحلو من أكبر المبشرين والمستبشرين بكتابتي، وقد ذكر لي في لقاءات عدة ونقاشات طيبة أنه من أشد المعجبين بما أكتب، وقد أفرد صفحات طوال لكتاباتي في ملحقه الثقافي نقدا وتفسيرا فله كل التقدير». وعن حظوظه في النشر يقـــول: «نشرت لي في العام الماضي دار أوراق للنشر مجموعة شعرية كان عنوانها «وحي العتمة» ولدي في الأدراج مجموعتان قصصيتان مكتملتان في انتظار إيجاد دار نشر مناسبة لنشرهما».
عن القواسم الموجودة بين العمل الإذاعي بوصفه فنا يعتمد على الأذن، والكتابة يقول: «لدي نظريتي في الإعلام المسموع في أن الفكر والوعي والقدرة على فهم الحدث الإعلامي أولى من «رخامة/حدة» الصوت، فعلى الإعلامي أن يكون مثقفا وليس مجرد مردد أو مغن وبهذا المنطق نجحت لأكثر من خمسة أعوام في تقديم رسالتي الإعلامية الإذاعية وسط إشادة من الجمهور والزملاء، وذلك لنوعية برامجي التي أقدمها ولإضافتي الفكرية والمعرفية الثرة التي أضيفها لأي مادة أقوم بتقديمها، لكن مع الأسف فإنه في ظل الانهيار التام للإعلام غاب الإذاعي المثقف وشرد وحل مكانه أشخاص غرباء للحد البعيد على الموضوع الإذاعي، أما عن القنوات فالصمت حينها يكون أبلغ جدا من الكلام».
وفي رده على سؤال عن الجوائزوصناعتها للنجوم يقول: «هنالك جوائز هي عبارة عن «بهرجة» وليال ملاح وديكورات زائفة من دون وجود قيمة نقدية حقيقة لما يصدر عنها من أعمال، وهي مع الأسف محتكرة لعقليات متأخرة في فهم الموضوع السردي والكتابي، لكن في المقابل هنالك جوائز محترمة وتخرج أعمال سردية وكتابية ذات قيمة نوعية جديرة بعرضها وبالتغني بروعتها».
ويضيف: «الوســط السردي ليس مقاعد في البرلمان يدخله من يحصل على أكبر عدد من الجوائز، هنالك كتّاب أتعلم منهم وأرى أنهم متفوقون عليّ للحد البعيد ولم يشاركوا في أي جائزة لكن كتاباتهم مدهشة».