عبد الله الشيخ : «البِساط أحمدي».. لكن هل سيبقى كذلك..؟
بلادنا هذه محروسة غلواء العنف المذهبي، لأن المزاج السوداني مزاج «رايق» لا يقبل التنطّع، لقد جرّب شعبنا بضاعة التطرف «التدعشُن» في عهد المهدية، فتبرأ منها سريعاً، وفُرضت عليه في عهد إنقاذ التمكين فاعتزلها.. ورغم فداحة التجربة في الحالتين، خرج شعبنا- مخدوشاً نعم- لكنه لم يفقد بساطته وحسن سريرته. لقد عمد هؤلاء الى تخريب منهجي لهذا المزاج السوداني المتسامح.. لم يبلغوا مبالغهم، «حتى فتروا» وأبعدوا أو ابتعدوا.. تذكرون ذاك الذي أراد إعادة صياغة المجتمع السوداني.. أين هو الآن؟ علّه يجد من يؤانسه، وذاك هو الخسران المبين.. لن يتسرب العنف الطائفي الى هذه البلاد الطيبة حتى ولو عادوا مرة أخرى الى العمق الحكومي.. لكن هذا الفوران المذهبي الذي عمّ الاقليم، يحتاج الى وقفة.. نحتاج الى أن نتوقف بكل فخر، عند هذه الميزات التي تشكل نسيجنا الاجتماعي..
قد كنّا أول دولة ترزح تحت مظلة الإسلام السياسي، لكن عصبتها لم تنل شيئاً.. قتلت وشرّدت ونهبت وخرّبت، لكن شعبنا لم يزل صامداً وصابراً، وقابضاً.. والقابض على دينه في عهد الاخوان، كالقابض على الجمر.. شعبنا- والفضل لله- معجون من طينة البساطة.. لربع قرن من الزمان، كانوا يتسربون الى مراكز الوعي الشعبي، حتى أوشكت الحكمة، أن تنقلب الى سحر.. كل الأكلة استنّت أنيابها على قصعتنا، واختطف عملاء التطرف بعض شبابنا ودعشنوهم، وأرسلوهم الى ليبيا وسوريا، وليس ببعيد عن الأذهان أنهم جربوا فينا فركهم المنغلق.. حادثة مسجد أبوزيد ليست بعيدة، وهجوم عبّاس الحتّانة، وخليّة الدندر، إلخ.. انتشار الفكر الداعشي وسط بعض شباب الجامعات لم يعد سراً.. هل تجاوز حالة كونه ظاهرة..؟ هل تنافرت هذه العناصر عن قبضته، أم أنها تتدعشن وتتشيّع بدفع خارجي ..!؟ هذا الشعب في عمق مكوناته الثقافية لا يقبل الغلو والتطرف.. حتى المتشددين بين أهله، الهاربين من مشاغل المعيشة وأحكام العصر، يضمهم مجلس الحي في الحواضر والنجوع.. شمس السودان تظلل الكل، وتصهر جميع الثقافات والسحنات.. هذا التنظيم الطارئ، لا يستطيع تبديد الموروث الشعبي الإنساني، لكن بقاءه بيننا له ثمن..!
في الآونة الأخيرة تزايدت شتائمهم للشعب السوداني.. منذ مجيئهم سعوا الى بذر الفتنة، ولكن الشخصية السودانية لا تعرف الخناقات المذهبية، ففي البيت الواحد تجد علي وفاطمة ومعاوية وأسماء،الحسن والحسين، وأباعبيدة، وعمر وعثمان.. بعد احتلال الاخوان للعرش رفع الفكر السلفي شاراته، وظهر التشيع أيضاً، وبدأت المذهبية تطل برأسها..الفكر الإخواني يصنّف كفكر سلفي، لكنه أقرب إلى التشيع، وكثير من قادتهم تشيّعوا.. مبدئياً نحن لا نعترض على تجنيح بعضهم نحو حسينيات الشيعة، أو تغريد بعضهم الآخر بين أسراب أهل السنة.
ما يهمنا من الأمر، هو سلامة بلادنا من مخاطر انتقال العنف الطائفي اليها.. ما يجب أن نتحسب له هو الصعود المذهبي الذي تشهده المنطقة، والذي يعبر عن قضايا ومواقف ليس من شواغلنا داخل هذا القطر الذي لا يحتاج الى تعارك أبنائه على أسس مذهبية، فلو حدث هذا، سيقتل بعضنا بعضاً، دون مبرر..أطراف كثيرة في الاقليم بدأت تدرك تماماً، أن التطرف ينبع من كيانات الإسلام السياسي التي كانت تغطي عوراتها بحياء ظاهر.. التعايش يجب أن يبقى صمام أمان للسودانيين مهما تنطع المتنطعون وتشيع المتشيعون.. هذه الطيبة هبة ربانية، والإسلام السياسي ليس سوى سطوة اعتمدت حيناً على أداة الدولة.. الإسلام السياسي «شِدّة وتزول»..! لأنه مصطنع ومستورد، وأصحابه اثبتوا فشلهم وانشغلوا بشاهقات المباني… هذا الشعب له فطرة سليمة ترفض التعصب، ويحتاج بنيه المخلصين ليبعدوا عنه نار الفتنة الطائفية.. الطائفة عندنا هي التكايا المفتوحة لخير الناس، التدين عندنا بساط أحمدي، ومشايخنا يفتحون مسايدهم للسكارى، حتى لا يميلوا..لا خشية على بلادنا من الخطائين التوابين، بل الخشية كل الخشية من «هؤلاء»..!