منى سلمان

ان كيدهن عظيم

تعترف النساء (في لحظات التجلي والصدق) وتقر بأن لهن كيدا يفوق كيد الشيطان .. تختفي المرأة خلف ستار الضعف وقلة الحيلة حتى تستطيع أن تمارس (الكهنتة) و(السهتنة) وتستعمل أسلحة الضعف المزعوم كي تعمل بها فتكا في رجل حياتها، فهي تستطيع أن تتخذ من أضعف ما تملك وهو اللسان سلاحا حينما تستعمله في البري والنقة، وكم من مسكين كِمِل من لحم الدنيا من النقة بينما يتمدد حجم زوجته ويزداد وزنها رأسيا وأفقيا وبالجنبات كمان!!
والإعتراف بكيد النساء ليس بدعة جديدة ولكنه موثق منذ أن مارسته زليخة زوجة العزيز (أشهر كائدة في التاريخ) عندما أعتدت (للنسوان الحاسداتنها) متكأ، وأعطت كل واحدة منهن سكينا وما أن خرج عليهن – أجمل الخلق – يوسف عليه السلام، حتى أكبرنه وقطعن أيديهن (من شدة الإنبهار والشرقة)، وبالتالي تكون إمرأة العزيز بكيدها قد قطعت ألسنتهن الطويلة في نفس اللحظة التي حشت فيها السكاكين أياديهن.
وكذلك إعترف وأقر به العزيز في قلة حيلة وهوان لا يشبه الرجال وما ذاك إلا من شدة سطوة زليخة وتأثيرها عليه، فعندما تبينت له حقيقة محاولتها لإغواء سيدنا يوسف وتمزيق قميصه من دبر، إكتفى يمطالبتها بالإستغفار وأقر بحقيقة كيد النساء (إن كيدكن عظيم).
يفسر بعض العلماء قوله تعالى في الآية المذكورة :(إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفاً) وقوله في النساء (إنَّ كيدكنَّ عظيم) بأن في الآيتين دلالةَّ على أنَّ كيد النساء أعظم من كيد الشيطان.
وهناك رأي آخر يرى أنَّ المسألة تحتاج لتوضيح، وتبيين ما في الآيتين من فروق، ففي الظاهر لا مقابلة بين (العظيم) و(الضعيف)، كما أن الكيد بالنسبة للنساء هو لجنسهن، وبالنسبة للشيطان للعموم.
وعبر التاريخ إشتهرت الكثير من قصص كيد النساء، وإن كانت تلك الحكايا لا تثبت سوى ذكائهن الحاد وسرعة تخلصهن من المآزق، ومن تراثيات حسن التخلص النسائي ما جاء في حكاية من الأدب الهندي.
تقول القصة أنه قديما في أحد قرى الهند الصغيرة، كان هناك مزارع فقير اقترض مبلغا كبيرا من أحد المرابين في القرية وكان هذا المرابي العجوز والقبيح الشكل قد أعجب بإبنة المزارع الجميلة لذلك قدم له عرضا عندما عجز عن سداد الدين، فقد أخبرالمزارع بأنه سيعفيه من هذا الدين إذا زوجه ابنته.
رفض المزارع و ابنته هذا العرض، وعندئذ اقترح المرابي الماكر بأن يدع المزارع و ابنته للقدر أن يقرر هذا الأمر، أخبرهم بأنه سيضع حصاتين واحدة سوداء و الأخرى بيضاء في كيس، وعلى الفتاة التقاط أحد الحصاتين، فإذا التقطت الحصاة السوداء، تصبح زوجته و يتنازل عن قرض أبيها وإذا التقطت الحصاة البيضاء لا تتزوجه و يتنازل عن قرض أبيها.
وقف الجميع على ممر مفروش بالحصى في أرض المزارع، وحينما كان النقاش جاريا، انحنى المرابي ليلتقط حصاتين فانتبهت الفتاة حادة البصر إلى أن الرجل التقط حصاتين سوداوين و وضعهما في الكيس ثم طلب من الفتاة التقاط حصاة من الكيس .
لم تترد الفتاة كثيرا فقد أدخلت يدها في الكيس و سحبت منه حصاة و بدون أن تفتح يدها و تنظر إلى لون الحصاة إدعت بأنه تعثرت و أسقطت الحصاة من يدها على الأرض المملوءة بالحصى ، و بذلك لم يتمكن الناس من الجزم بلون الحصاة التي التقطتها فقالت لهم وهي تدعي البراءة:
يا لي من حمقاء.. ولكننا نستطيع النظر في الكيس للحصاة الباقية فإن كانت سوداء فهذا يعني أنني إخترت البيضاء وإن كانت بيضاء فهذا يعني أنني قد إخترت السوداء. وطبعا عندما نظر الناس للحصاة المتبقية وجدوها سوداء.
ومن هذا الموقف نتبين دهاء وحسن كيد الفتاة فلو أنها أخبرت الناس أن العجوز قد أدخل حصاتين سوداوين في الكيس فسيقومون بتصحيح الوضع وحينها يكون الإختيار مسألة حظ (فيفتي –فيفتي )، ولكنها إختارت أن تفوز عليه بالكيد مؤكدة لنظرية أن كيد النساء يفوق كيد الرجال ..
على العموم – ربما كان هذا الحال قديما – فقد انقلبت الموازين واكتسب الرجال مهارات كيدية قل ان تحظى بها النساء وذاك حال الايام تداول بين الذكور والاناث .. يوم ليك ويوم عليك.
(أرشف الكاتبة)