مقالات متنوعة

كمال عوض : كوريا الجنوبية .. بلاد العجائب والمعجزات


كوريا الجنوبية .. بلاد العجائب والمعجزات «1»
> تقع جمهورية كوريا الجنوبية في أقصى شرق القارة الآسيوية، وهي مركز الثقافة في شمال شرق آسيا جنباً إلى جنب مع الصين واليابان. وكوريا شبه جزيرة تبلغ مساحتها «22» ألف كلم مربع، ويبلغ تعداد سكانها أكثر من «50» مليون نسمة يعيش منهم «10» ملايين في العاصمة سيول التي تعد من أكثر عواصم العالم اكتظاظاً بالسكان. > وهي قوة اقتصادية كبيرة اشتهرت بصناعة السيارات والإلكترونيات، وصارت رقماً في الاقتصاد العالمي بالرغم من شح مواردها وصغر مساحتها. واستطاعت أن تتغلب على الأزمة المالية الآسيوية في عام «1997م»، وهي من أوائل الدول التي تعافت من الأزمة المالية العالمية في عام «2008م»، وفي «2010م» صارت كوريا أول دولة ناشئة تستضيف قمة العشرين. > ودولة كوريا تتحدث اللغة الكورية «الهانغول»، ويجد الزائر صعوبة كبيرة في التخاطب مع سكانها لأن غالبيتهم لا يجيدون الإنجليزية. والكوريون شعب طيب دائم الابتسام ينثر الورود على الطرقات ويتبادلون الاحترام فيما بينهم بانحناءة تذيب كل التوترات. > قدمت كوريا نفسها للعالم من خلال المسلسل التلفزيوني «جوهرة في القصر»، وعبره تعرف الناس على المطبخ الكوري والنمط الحياتي لتلك البقعة البعيدة من العالم. وعبر قنواتها المتعددة وإذاعاتها المتكاثرة يوماً بعد يوم وصحفها ذات المصداقية والمهنية العالية، رسمت كوريا خريطة حياة جديدة قدمت خلالها عدداً كبيراً من المشاهير في مختلف المجالات، أشهرهم بان كي مون الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، وبارك جي سونغ لاعب مانشيستر يونايتد الإنجليزي، وكيم يونا ملكة كوريا في الرقص على الجليد. > ذهبنا إليها في عام 2014م ضمن وفد رفيع المستوى تنفيذاً لبروتكول تعاون شبابي تم توقيعه بين جمهورية السودان وجمهورية كوريا الجنوبية، يهدف لتبادل الثقافات والرؤى والأفكار في شتى المجالات بين الشعبين الشقيقين. > بالرغم من أن جمهورية كوريا الجنوبية عبارة عن شبه جزيرة إلا أنها تعاني من شح كبير في المياه العذبة، وبذلت الحكومة جهوداً خارقة لتجاوز هذه الأزمة عبر إنشاء محطات ضخمة لتنقية مياه نهر الهان بلغت «4» محطات توفر حوالى «1.6» مليون طن. والغريب أنه وبعد كل هذه الجهود لا يلجأ المواطن الكوري لاستخدام المياه مباشرةً من الحنفيات داخل المنازل، وإنما يستهلك كميات كبيرة من المياه المعدنية التي توفرها المصانع في مختلف المدن. > قضينا أياماً ممتعة مليئة بالدهشة في بيونغ تشانغ وغانغ رنغ وسوك تشو. وفي هذه المدن الثلاث قدمت كوريا نفسها بوجه آخر، وكشفت عن عراقة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ… هنا حيث المساكن القديمة «الهانوك» والأزياء التقليدية والمراعي والمروج الخضراء والجبال الشاهقة في منطقة «دي غون ريونغ». > كانت أياماً لا تنسى… ذهبنا للمسكن القديم « سون كيو جانغ» في محافظة «كانغ ون» وهو مسكن الطبقة العليا لعصر مملكة «جوسون 1392 ــ 1910م» وتبلغ مساحته «2000» متر مربع، وتعرض فيه آلاف الكتب والرسوم والكتابات القديمة. وكانت زيارة جبل «سراك» قمة في الروعة حيث الطبيعة والمناظر الخلابة البديعة.. وجبل «سراك» هو أعلى وأجمل القمم ويقع في مدينة سوك تشو شرق كوريا الجنوبية. > صعدنا إليه عبر عربات معلقة تمنح الرحلة مزيداً من الإثارة وهي تحلق بك ببطء شديد لتمنحك الفرصة لمشاهدة الجبال من حولك، وإذا نظرت تحت أقدامك سيصيبك الدوار، لأن الأرض بعيدة عنك بعداً سحيقاً. وفي بيونغ تشانغ ذهبنا لمركز التقليد الكوري لارتداء الملابس الكورية المعروفة باسم «الهانبوك» وهي ملابس تمزج بين جمال الألوان والخطوط الآسيوية، ويجري إدخالها سنوياً في مسرح الموضة العالمي. «نواصل».

كوريا الجنوبية.. بلاد العجائب والمعجزات «2»
> مازالت جمهورية كوريا تعاني من الحرب الأهلية الشرسة التي خاضتها مع نصفها الآخر كوريا الشمالية في عام 1950م، واستمرت حتى عام 1953م بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ولكن مازال الكوريتان تعيشان في حالة حرب نظراً لعدم توقيع معاهدة سلام بينهما. > هذه الحرب أثرت كثيراً على نهضة وتطور الكوريتين حتى أن الشعب الكوري كان قبل خمسين عاماً أفقر شعوب العالم، ولكنهم تجاوزوا آلامهم وأحزانهم بعزم وإصرار، وصارت تلك الحقبة جزءاً من تاريخهم الذي كلما تذكروه ازدادوا اجتهاداً وحيويةً. > عند مدخل مدينة «فازو» أو المنطقة منزوعة السلاح «دي. إم. زي»، كانت تنتظرنا العديد من المفاجآت، حيث رأينا لأول مرة الجنود وهم في حالة استعداد قصوى وكأنما الحرب مستمرة حتى الآن.. ووسط إجراءات أمنية مشددة استطعنا العبور من نقاط التفتيش المكتظة بالجنود الكوريين والأمريكان «الحلفاء» كما يسمونهم هناك. وأمام بوابة زجاجية ضخمة أوقفنا جندي مستفسراً عن هوية الوفد وصار يسأل كثيراً عن السودان وإفريقيا، وسرعان ما صار صديقاً ودليلاً جيداً عبر بنا من مراحل الحذر المفرط إلى بر الابتسامات والدعابات والثقة. > قال لنا الجندي إننا سندخل إلى نفق يبلغ عمقه «75» متراً تحت الأرض حفرة جواسيس كوريا الشمالية للتسلل إلى كوريا الجنوبية في عام 1978م، وحذر بشدة أي شخص يعاني من أمراض في القلب أو ضيق في التنفس ألا يغامر بالدخول إلى النفق.. حينها سرت قشعريرة باردة في أجسادنا وتيقنا أننا أمام تجربة تحتاج لجهد وجلد وصبر. > أجمعنا على رؤية النفق، فبدا الارتياح على وجه الجندي وقام بإكمال إجراءات التفتيش والدخول حيث منعنا من التصوير وألزمونا بارتداء خوذات ضخمة على رؤوسنا، احتججنا عليها في البدء وحمدنا الله كثيراً على ارتدائها عند أول ارتطام لنا بالصخور. > في بداية النفق الذي يبلغ طوله «1.635» متراً يجبرك انحداره على الهرولة وتشعر بجسدك يقفز تلقائياً إلى أن تصل إلى المنطقة الخطرة منه حيث تخفت الإضاءة وتتسلل المياه من بين الصخور لتضفي على المكان رهبةً مع تزايد درجة الرطوبة وانخفاض كبير في ارتفاع النفق لدرجة الانحناء وشح الأوكسجين. عندها تذكرنا تحذيرات الجندي، ولكن لا مفر من الاستمرار حتى النهاية. > ظللنا على هذا الحال قرابة الساعة حتى لاحت لنا نهاية النفق، وهناك وجدنا العديد من الأشخاص في انتظارنا وهم يغمغمون بأن هذه نقطة النهاية ولكنهم سمحوا لنا بالنظر عبر نافذة صغيرة لبقية النفق في كوريا الشمالية. > وليلة أخرى قضيناها في مدينة ساحلية تطل على بحر اليابان.. ومن خلال نافذة الفندق تخال أنك في سفينة تهدهدها أمواج البحر.. ولكن منظر المياه الممتدة وحركة السفن يعيد إلى مخيلتك أيضاً ذكرى غرق العبارة وتعابير الحزن الظاهرة على وجوه الكوريين وكأنما الغرقى هم أقرباء وأبناء الشعب الكوري كله. ومن جانبنا أرسلنا برقية عزاء باسم الشعب السوداني للشعب الكوري وأسر الضحايا. > يشكل عدد المسلمين في جمهورية كوريا نسبة ضئيلة من تعداد السكان، لذلك اجتهدنا كثيراً في البحث عن مسجد لأداء صلاة الجمعة عند عودتنا من مدينة «فازو» وعثرنا على المسجد الوحيد في المدينة وهو مسجد سيول المركزي. وهناك التقينا بمسلمين من مختلف الجنسيات، قضينا معهم وقتاً ممتعاً وتحدثنا عن التحديات التي تواجه الإسلام والمسلمين في مختلف بقاع العالم، كما طالبناهم بالاجتهاد لنشر الدين الإسلامي في كوريا. > حول المسجد تنتشر المحال التجارية الإسلامية، ويعلق أصحابها صور الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف، كما تنتشر المطاعم الحلال التي يدير معظمها الأتراك، إلى جانب أماكن بيع الزي الإسلامي.

كوريا الجنوبية.. بلاد العجائب والمعجزات «3»
> في العاصمة الكورية «سيول» قمنا بزيارة لمعرض شركة «سامسونج» وهو معرض ضخم تعرض فيه الشركة أحدث منتجاتها وتوفر فرصة للتسوق والشراء بأسعار مخفضة، كما زرنا الكشافة الجوية والبرلمان الكوري، ثم مركز وسائل الإعلام الشبابي، وفيه قمنا بإنتاج فيلم تعريفي عن أهداف الزيارة، نال استحسان قيادة المركز.
> ثم طاف بنا نائب سفير السودان بسيول السفير الريح حيدوب، في جولة تعريفية لأهم المعالم السياحية وأهم الطرق والأسواق وجاء نهر «تشيونج» الذي يمر وسط مدينة سيول في مقدمة المعالم المدهشة، فهو مجرى مائي تنتشر بين جنباته أماكن التسوق ويرتاده السياح بعد أن تحول من مكب للنفايات إلى أبرز المعالم السياحية في المدينة.
> وبالطبع إذا زرت كوريا يوما ما فلن يفوتك التسوق في شارع «ايتاوان» وهو يقع في حي العرب.. حيث المسجد الوحيد في «سيول» وتقع في نهايته القاعدة الأمريكية. السفير حيدوب قال إن معظم الوزارات السيادية مقرها خارج «سيول»، ولذلك تجد التنمية في بقية المدن والولايات تسير على خطى واحدة.
> وتمنى حيدوب أن تنتقل تجربة الحكومة الكورية إلى السودان وتقوم بنقل المرافق الحكومية وبعض الوزارات إلى بقية الولايات، كما ناشد معتمد أم درمان الاستفادة من تجربة نهر «تشيونج» وتنفيذها في «خور أبوعنجة».
> داخل قاعة فخمة بأحد فنادق سيول كانت تنتظرنا مجموعة كبيرة من الشباب الكوري للتعرف على عادات وتقاليد وثقافات السودانيين.. والشعب الكوري لا يعلم الكثير عن السودان وبقية دول العالم بعد أن عاشوا في عزلة لسنوات طويلة، لذلك تجدهم أشد حرصاً على تفعيل بروتكول التبادل الشبابي مع العديد من دول العالم، وقاموا بتأسيس المركز الكوري لتبادل الشباب في العام 2007م، ونظموا عبره برامج لأكثر من «500» شاب وشابة شملت زيارات لأكثر من «24» دولة.
> وخلال البرنامج عرضنا السودان في أبهى حلة.. طفنا بهم في ربوع الوطن الحبيب على أنغام «حلاة بلدي.. حلاة نيلها» و«أحب مكان وطني السودان».. شاهدوا مقرن النيلين وحظيرة الدندر وإهرامات البجراوية وسهول كردفان الغرة وجبل مرة ونيرتتي وشلال قلول.. شاهدوا جبال التاكا والشُّعب المرجانية في سواحل البحر الأحمر.. شاهدوا مشروع الجزيرة ومحالج القطن ومصانع النسيج في بركات ومارنجان والحاج عبد الله.. شاهدوا برج الفاتح وجامعة الخرطوم وسد مروي..
> انطلقت صيحات الدهشة والإبهار من أفواه الكوريين ودوى التصفيق في القاعة بلا انقطاع.. كان الوفد يرتدي الزي السوداني «الجلابية» ناصعة البياض والعمة والطاقية وارتدت الزميلات الثوب السوداني.. تذوق الكوريون طعم «اللالوب والقنقليز والكركدي والفول والتسالي والدوم»، ونال مشروب العرديب استحسان الجميع.. وبالمقابل قدم الكوريون بلادهم في حلة زاهية كشفت عن شعب طيب يحب العالم ويعشق العمل والعلم ويسعى لتطوير ورقي كوريا «أرض الصباح الهادئ»، كما يسمونها.
> يقع مركز الشباب الوطني الكوري في مدينة «بيونغ تشانغ»، ويحتل مساحة كبيرة وسط غابة تحيط بها الجبال، وهي منطقة أشبه بمحمية طبيعية، تحتوي في داخلها على قاعات مجهزة بأحدث الوسائل التكنولوجية إلى جانب ميادين لكرة القدم والسلة والطائرة ومضمار للسباق.
> وفوق ذلك مساكن خشبية أشبه بالمساكن الكورية القديمة ومجهزة بأحدث ما أنتجه العالم من أثاث وإلكترونيات وأجهزة تكييف.. داخل هذه المساكن قضينا ليلة كاملة غالبنا فيها النعاس حتى لا تفوتنا روعة المشاهد.. تجولنا داخل الغابة وسط أجواء باردة بلغت فيها درجة الحرارة «10» درجات مئوية ورغم ذلك تجولنا وسط الصخور والأشجار حتى ساعات الصباح الأولى.