محمد المعتصم حاكم : نهاية الأسطول البحري
بعد أن تم بيع آخر باخرة من الأسطول البحري الذي كان يشق عباب البحار والمحيطات، فوجئنا أيضاً بحل الخطوط البحرية التي أصبحت بين يوم وليلة بلا بواخر بعد بيع (النيل الأبيض) (إسكراب)، أي حديد خردة لمستثمر سوداني بمبلغ (13) مليون جنيه (مليار بالقديم)، ليخرج السودان نهائياً من البحر بدون منطق أو مبررات مقبولة، إلا شماعة العقوبات الأمريكية التي ما عادت مقنعة، ولنا من العلاقات الروسية والصينية ما يغطي الكثير من الفجوات التي تسبب فيها ذلك الحصار الأمريكي، وأنا أفهم أن تقوم الدولة السودانية بتعيين قيادة جديدة أكثر فعالية لإدارة الخطوط البحرية قبل أن تقوم بحل وإلغاء هيئة إدارة الخطوط البحرية السابقة وتترك ذلك الفراغ المرتبط أصلاً بوجود بواخر فشلت الإدارة القديمة في توفيرها، بل ظلت تتخلص من البواخر واحدة تلو الأخرى، حتى أصبحت بلا بواخر، لنترك ميناء بورتسوان وسواكن مرتعاً للبواخر الأجنبية. وأذكر في الماضي القريب جداً كان السودان يملك أكثر من ثمان بواخر تجارية مشهود لها في البحر الأحمر والبحرالأبيض المتوسط وفي المحيطات وكانت هناك (أمدرمان والأبيض وسنار والجزيرة وشندي)، على سبيل المثال أن لم تخني الذاكرة، كما كان لنا عدد مقدر من الكباتن الأكفاء الذين تخرجوا من كليات البحرية في يوغسلافيا، أكيد هجروا البلاد قسراً بعد أن أصبحنا بلا بواخر، وبالتالي أرى أن تقوم الدولة السودانية بتعيين قيادة جديدة للخطوط البحرية من ذوي الكفاءة والدراية الذين في إمكانهم إعادة بناء ذلك الأسطول حتى عبر قروض ميسرة من الصين أو روسيا أو حتى يوغسلافيا أو الهند، شريطة أن يتم السداد على أقساط بعد خمس سنوات من عمل البواخر الجديدة، وهذا ممكن إذا عادت بواخرنا من (ليفربول) ببريطانيا و(هامبروج) بألمانيا وميناء(امستردام) في هولندا، ناهيك عن الحركة المستمرة في البحر الأحمر والأبيض المتوسط بشكل عام، وبالتالي فإن (الحل) ليس حلاً للأزمة التي ضربت الخطوط البحرية التي لابد من عودتها بصورة عاجلة، بالإضافة إلى عودة الخطوط الجوية السودانية، وكذلك السكة الحديد، خاصة ونحن على مشارف مخرجات الحوار الوطني الذي عبره يجب أن نعالج كافة الإشكالات السودانية العالقة، وليس هناك أكثر أهمية من عودة المشروعات الاقتصادية بنفس قوتها القديمة لمدخل حقيقي للنهوض باقتصادنا نحو الأفضل، وفي النهاية يمكن حل أي إدارة فاشلة، ولكن الإحلال بالبديل الفاعل هو الطريق الأسلم، لأن الغياب الكامل هو خسارة لا يمكن أن تكون حلاً للأزمة خاصة في مسألة الخطوط السودانية البحرية.