محمد لطيف : تقليص الوزارات.. هل يستبق المخرجات؟!
تقليص الوزارات.. هل يستبق المخرجات؟! 1
(بدأ حزب المؤتمر الوطني الحاكم حملة لإطلاع كوادره وقواعده بإجراءات اقتصادية قاسية ستتخذها الحكومة لسد العجز في الميزانية وتخفيف الضغوط على الجنيه، وأكد وزير المالية على محمود أن المعالجة تبدأ بالإعلان عن إعادة هيكلة الحكومة مركزياً وولائياً، بتقليص الجهاز التنفيذي قبل إعلان رفع الدعم عن المحروقات رسميا.. وقالت مصادر مطلعة لـ(الصحافة) إن تقليص الوزارات بدمج بعضها وإلغاء أخرى سيرافقه تعديل وزاري وأعلن وزير المالية على محمود، خلال اللقاء التنويري الذي حضره آلاف من قيادات وعناصر المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم، إن وقف الصرف الحكومي يشمل عدم تخصيص أي مبالغ للمباني الحكومية دون استثناء ووقف استيراد العربات الحكومية بجانب تقليل الصرف على العربات الحكومية).. هذه القصة قد حدثت سادتي في يونيو من العام 2012.. وهي الواقعة الشهيرة التي خدعت فيها الحكومة الشعب.. برفعها شعار.. رفع الدعم مقابل خفض الإنفاق الحكومي.. والذي حدث أن الحكومة قد رفعت الدعم رفعا بلغ بالأسعار عنان السماء.. ولكنها.. وفيما يبدو في غمرة انشغالها بشواغل الحكم قد نسيت خفض الإنفاق الحكومي.. كما تجاهلت وقف الصرف على المباني.. حتى أصبحت مباني الحكومة أكثر من مباني الشعب..! الأسبوع الماضي أعلنت الحكومة عن تشكيل لجنة.. أو نحو ذلك.. مهمتها النظر في تقليص الجهاز التنفيذي.. وهذا الخبر قد أصاب الكثيرين بالرعب.. فقد اعتاد الناس على قراءة إفادات الحكومة بعكسها تماما.. فالخبر الذي بدأنا به هذا التحليل.. قد أعقبه انفجار في الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات.. ثم السلطة الانتقالية.. حتى شاع الاستوزار.. وبات مألوفا أن تجد في.. الحلة الواحدة كم وزير.. وحين قالت الحكومة إنه لا رفع للدعم في الميزانية الجديدة.. كانت النتيجة أن الرفع قد طال كل شيء.. لذا من حق الناس أن يرعبهم الإعلان عن خطة لتقليص الجهاز التنفيذي.. سيما وأن الشواهد تقول بغير ذلك.. فإذا كان الشائع أن الناس ينتظرون مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.. فلدى كثيرين لا تعني هذه المخرجات غير مزيد من الوظائف الحكومية.. ولا تعني هذه الوظائف غير مكافآت ما بعد الخدمة.. عذرا مكافآت ما بعد النضال.. ثم.. وهناك والحمد لله في كل مناطق الصراعات.. تكتشف الحكومة.. كل فجر جديد.. أن جماعة ما قد انشقت على جهة ما.. ولما كانت الحكومة مسؤولة من كل الناس.. حريصة على الاستقرار والسلام.. وإذا كان للسلام ثمن.. كما تردد الحكومة دائما.. فهذا الثمن ليس إلا مزيدا من الوظائف العامة.. لذا يكون غريبا الحديث عن حكاية تقليص الجهاز التنفيذي في هذا الوقت بالذات.. والحال كذلك، فالموقف لا يخرج من أحد احتمالين.. إما أن الأمر سيقود لمعكوسه جريا على العادة.. وإما أن ثمة انقلابا يدبر بليل.. على جماعة الحوار الوطني.. الذين طال انتظارهم للمخرجات.. والتي ستقودهم ولا شك للوزارات.. وتأتيهم بالفارهات.. وهذا يعني أن الحكومة جادة.. هذه المرة في إنفاذ خفض الإنفاق الحكومي.. وفي تقليص الجهاز التنفيذي.. ولكن..! إذا كانت الحكومة جادة في ما أعلنت عنه.. فالمفاجأة.. أنها ليست في حاجة للجنة ودراسات وخطط.. كيف..؟ نجيب غدا..!
…
تقليص الوزارات.. هل يستبق المخرجات؟! 2
انتهينا أمس إلى الأخذ بفرضية أن الدولة جادة في مراجعة الترهل في الجهاز التنفيذي.. ولكن نأخذ في الاعتبار كذلك حقيقة هشاشة موقف الدولة.. أو إن شئت الدقة قل الحزب الحاكم.. في التراجع سريعا أمام أية ضغوط.. وقبل أن نمضي في هذا الاتجاه دعونا نكمل ما انتهينا إليه بالأمس من أن الأمر ليس في حاجة إلى دراسات ولجان جديدة.. لماذا..؟ لأنه قد سبق للجنة عالية التشكيل بمن ضمت من خبراء في الخدمة المدنية أن عكفت على مراجعة قمة الجهاز التنفيذي.. أي مجلس الوزراء.. وانتهت إلى مجموعة من التوصيات أبرزها.. أن يضم مجلس الوزراء ستة عشر وزيرا فقط.. وألا يتجاوز عدد وزراء الدولة ثلاثة فقط.. ينحصرون في الوزارات ذات المهام المتشعبة.. وركزت اللجنة على أنه وفي ظل الحكم الاتحادي وقيام الحكومات الولائية.. فالوزارات الاتحادية قد أصبحت في معظمها إشرافية الدور.. باستثناء الوزارات السيادية.. كما أوصت اللجنة بمراجعة وتقليص الكثير من المؤسسات والهيئات.. أما أهم التوصيات.. على الإطلاق.. فقد كانت.. إعادة الاعتبار لمنصب الوكيل.. واعتبار الوكيل في كل وزارة هو المسؤول التنفيذي الأعلى مع التركيز على أهمية تدرج الوكيل داخل وزارته لضمان توفر الخبرة العملية والإلمام والإحاطة بشئون الوزارة.. وحتى المعرفة اللصيقة بالعاملين.. كذلك مراعاة طول مدة خدمة الوكيل.. لضمان استقرار دولاب العمل.. واستمرار العمل في المشاريع التي تقوم بها الوزارة.. دون أن تتأثر بأي تقلبات سياسية.. أو تغييرات في أشخاص الوزراء.. باعتبار الوزير عرضا سياسيا.. يمكن أن يزول في أية لحظة..!
إذن، هذه التوصيات وغيرها كانت جاهزة للتطبيق نهاية عقد التسعين.. حين ضربت المفاصلة الشهيرة النظام القائم وحزبه الحاكم.. فكان لا بد من طي تلك التوصيات.. حيث أن المرحلة كانت في حاجة للاستقطاب.. ولعل أقصر طرق الاستقطاب الاستوزار..؟
لاحظتم ربطنا لمسألة تقليص الجهاز الحكومي بمخرجات الحوار الوطني.. بل وأنها تتعارض معها.. ولكن الأمانة تقتضي أن نقول وبوضوح شديد.. إن مخرجات الحوار الوطني إن لم تحمل في صدارتها توصية بتقليص الجهاز التنفيذي, وتحديدا المقاعد الوزارية.. وخفض الإنفاق الحكومي.. فهذا يعني أن هذه المخرجات لم تلامس الواقع.. ولم تستصحب واحدة من أهم مطلوبات حل أزمة الحكم في السودان.. بمعنى أن هؤلاء المشاركين في الحوار مطلوب منهم أن يرسوا قاعدة جديدة تخرج بالسودان من هذه الدائرة الجهنمية المغلقة.. فليست الانقلابات وحدها وفشل الأنظمة الديمقراطية هي الدائرة الشريرة.. بل إن توزيع المناصب على أساس المحاصصة.. بكل أنواعها يظل واحدا من أكبر مظاهر الأزمة.. ومداخل الترهل في الحكومة.. ولكن.. والحق يقال.. فقبل أن تصدر مخرجات الحوار.. وقبل أن نطالب المتحاورين بالزهد في المناصب.. فالحزب الحاكم هو الأولى بتصحيح مفهومه الذي يدير به البلاد.. ويوزع به كيكة السلطة.. وينقض غزله بيده.. فحتى مؤسسة الرئاسة.. وفي ذات الوقت الذي تبشر فيه بتقليص الجهاز التنفيذي بخفض عدد الوزراء.. تفاجئ الجميع بتعيين وزير جديد دون أي مبرر ودون أي حجة.. فالمعلومات الراشحة قبل فترة من تلقاء القصر أكدت أنه في إطار إعادة هيكلة مؤسسة الرئاسة سيتم تعيين مدير عام للشؤون السياسية والإعلام.. ومعروفة درجة المدير العام ومخصصاته واختصاصاته.. ولكن فجأة أعلن عن رفع المنصب لدرجة وزير دولة.. أي أن المحاصصة يمكن أن تكون من أجل فرد واحد فقط.. لا حزب ولا قبيلة ولا يحزنون.. الإصلاح ليس نزهة يا سادة..!