عادل عبده : الحزب الشيوعي.. محاربة “الشفيع خضر” بتجربة ربيع براغ!!
هل يعرف الشباب الحالي في الحزب الشيوعي السوداني مأساة “ربيع براغ” التي حدثت تشيكوسلوفاكيا عام 1968م؟ الإجابة الواضحة تكمن في قيام الزعيم التشيكي يومذاك “ألكسندر دوبتشك” برفع شعار تجديدي حمل اسم الاشتراكية بوجه إنساني من ثنايا النظرية الشيوعية، فقد حاول الرجل من موقعه الماركسي فتح كوة صغيرة على النوافذ وطلب قليلاً من الحرية، فكان الرد من الزعيم السوفيتي في ذلك الوقت “ليونيد بريجنيف” إرسال دبابات حلف وارسو على مدينة براغ عاصمة التشيك التي سحقت تطلعات “ألكسندر” بقوة النيران (حيث نال الحدث شهرة ربيع براغ) وقد فعل “بريجنيف” تلك الخطوة القاسية بوصفه القيّم على الأحزاب الشيوعية في العالم يومذاك.
الآن دفتر التاريخ يعيد دورته من جديد مع اختلاف بسيط في المآلات.. ها هو الدكتور “الشفيع خضر” القيادي في الحزب الشيوعي يظهر في صورة “ألكسندر دوبتشك” وحزبه يجرب عليه ما حدث في ربيع براغ عام 1968م.. رويداً رويداً، المشهد يتطابق في الصور والمعاني إلى حد كبير.
الحرس القديم بالحزب الشيوعي المكون من “محمد مختار الخطيب” و”سليمان حامد” و”صديق يوسف” وبقية الكبار ضاقوا ذرعاً بالدكتور “الشفيع خضر”، حيث انهالت عليه الاتهامات والملاحقات والتحقيقات منذ فترة ليست بالقصيرة، حاولوا إدانته تارة، والتفكير في تخفيض رتبته الهيكلية تارة أخرى وتقديمه للرأي العام كقيادي شيوعي خرج عن خط القاطرة المقدس، غير أن مكتسبات الحزب الشيوعي العريقة ولوائحه الصارمة في حالات الاحتكام والتمييز لم تسمح لهم بتحقيق أهدافهم الكلية!! فالشاهد أن “الشفيع” يطالب بتجديد مسار الحزب على خطى الألفية الثالثة وتغيير اسمه بما يسمح بفك القيود عنه، وهو يرفض تحويل الأيديولوجيا إلى بقرة معبودة، ويعتقد بأن الفكر الشيوعي قابل للمناقشة والمحاججة والتطوير، ويؤكد انتهاء عصر أن تكون الأيديولوجية هي المسيطرة على كل شيء.. وفي الضفة الأخرى لا يرد الحرس القديم محاولة المساس بالأيديولوجية العتيقة القديمة، ويرون أن الإقدام على ذلك يعدّ طعنة في الشرف المعنوي والأخلاقي دونه الخيانة والغدر، لذلك قاموا بتحوير أفكار “الشفيع” إلى صراع إداري وإزالة الطابع الفكري عنه!! بل يحاولون الآن بقدر الإمكان تغييبه من حضور المؤتمر العام القادم للحزب الشيوعي.
هنالك تسريبات تؤكد دخول الأستاذة “فائزة نقد” شقيقة السكرتير العام السابق “محمد إبراهيم نقد” في المعترك الجاري في أروقة الحزب الشيوعي، حيث إنها هاجمت “الشفيع” لأنه ذكر بأن “نقد” تحدث عن تغيير اسم الحزب الشيوعي، ما تدركه الأستاذة “فائزة” أن المرحوم “نقد” اعترف بأن اسم الحزب أثر على تمدده الجماهيري قائلاً: (يمكن أن يتطور الأمر إلى التفكير بتغيير الاسم في المستقبل، وذلك في حواره بصحيفة (الرأي العام) بتاريخ 21/11/2005م. فضلاً عن ذلك، فإن الكاتب الصحفي والباحث في شؤون السياسة الأستاذ “عادل أحمد إبراهيم البيه” قد ذكر بأن حديث “نقد” عن تغيير اسم الحزب موجود في وثائق الحزب الشيوعي.
في الصورة المقطعية، العقل الحديدي للحزب الشيوعي يرفض سمكرة النظرية القديمة ودلق الحيوية على جسدها، بينما هنالك قيادات ورموز في الحزب الشيوعي تتماهى مع رؤية “الشفيع خضر” في التجديد والانعتاق، على رأسهم الشاعر والمحامي الأستاذ “كمال الجزولي” الذي ذكر: (إذا وجدت بديلاً أقوى من الماركسية سوف أتقبله)- مجلة (أوراق)، يوليو 2005م.
المحصلة تؤكد أن “ألكسندر دوبتشك” والدكتور “الشفيع خضر” هما ضحايا البقايا الستالينية في الفكر الشيوعي.. لو أصغى “بريجنيف” إلى صوت ألكسندر” ربما عاشت الشيوعية ذات النوافذ المفتوحة زماناً طويلاً وقاومت ما فعله “غورباتشوف”، وبذات القدر لو أفسح المجال للدكتور “الشفيع خضر” لرأينا حزباً شيوعياً سودانياً بنسخة وردية!!