د. عارف عوض الركابي : التَمبَاكة» و «المدخنون» و «المُشَيشون» يتهيأون للإقلاع في رمضان
كُلّمَا طَالَ النَّهَارُ فِي الصِّيامِ ازْدَادَتْ الحُجَّةُ عَلَى ضَحَايَا «السّجَايِر» و «التُمْبَاك» وأخواتهما من «الشيشة» ومن دار في فلكها المُدمّر المُزعِج، إن النهار في هذه الأيام وفي الأيام التي سيكون فيها شهر رمضان ــ الذي نستقبله بعد أيام إن شاء الله تعالى ــ تزيد عن «15» خمس عشرة ساعة، بل يقترب من الست عشرة ساعة، وأصبح ثلثا اليوم ــ تقريباً ــ صياماً وإمساكاً .. والفطر ثلث اليوم فقط.. وهذا الثلث يتوزع بين: الإفطار والأكل والشرب، وفيه صلاة المغرب والعشاء والتراويح والسحور، وفيه سويعات للنوم وغير ذلك.. هذه وغيرها تكون في الثماني ساعات التي هي ساعات الإفطار. ومع ذلك !! فإن البعض يستمر في في شرب الدخان أو «سَفِّ» التمباك !!! أو «شفط» الشيشة!! في أيام رمضان.. ألا يستثمر الفرصة للتخلي من هذا الوباء؟! ماذا ينتظر هؤلاء بعد هذه الحجة التي أقيمت عليهم؟!! ومن أقوى الزواجر في ذلك أنهم أقاموها هم بأنفسهم على أنفسهم .. فالصائم المبتلى بهذه الأشياء يتذكر في نهار الصيام الماء حال ظمئه، ويتذكر الأكل حال جوعه، وغير ذلك من المباحات، لكنه لا يشتهي «التمباك» أو «السجاير».. لكنه إذا أفطر زيّن له الشيطان هذه الأشياء فأقبل عليها وكأنه لا يستطيع أن يعيش بدونها.. فيا من صبرت فترة «ثلثي» اليوم وأقلعت عن هذا «الوباء» تستطيع أن تصبر الثلث الباقي.. نعم تستطيع ذلك والدليل على ذلك هو تصرفك، وهو فعلك، فقد ابتعدت عنه كل تلك الساعات ولو زاد نهار الصوم وأصبح عشرين ساعة لواصلت الابتعاد.. إذن أنت قادر على ترك هذه الأشياء التي وقعت فريسة لها وهي ضرر عليك في دينك ودنياك.. لا تقل إنني لا أستطيع، وتكتفي بقول العبارة المعهودة المتكررة «الله يهدينا» أو «دعواتك لينا» ونحو ذلك .. أقول: نعم إن من لم يهده الله فلا هادي له.. والدعاء من الأسباب الشرعية كذلك، لكن يجب عليك أن تبذل أنت السبب، وأن تؤدي الذي عليك وأن تكف عن هذا الجرم الذي تقترفه، فأنت تدرس لتتعلم، وتتوظف لتوفر لنفسك مالاً وتفتح متجرك لتبيع وتربح، وتتزوج لتعف نفسك ويرزقك الله الذرية، وتأخذ الدواء لتتعالج.. فهل هذه ونحوها تترك أسبابها وتبقى حيث أنت وتقول: أنتظر أن يحقق الله لي ما أتمنى؟! لا يقول هذا إنسانٌ عاقل، وحاشاك أيها المبتلى أن تقول ذلك، فاحزم أمرك واقطع دابر هذه المصيبة واقذف بالعلبة أو «الحُقّة» أو «الكيس» الذي طالما خجلت منه!! وطالما أخفيته عن كثير من الناس ممن هم حولك، حتى لا يرونك متلبساً بحمله، وارمه حيث مكانه وموضعه وأعلنها توبة نصوحاً في هذه الأيام المباركات. والأمر ليس بتلك الصعوبة التي تتصورها، أو خُيّلت لك، إن الأمر سهلٌ جداً وفي غاية البساطة، وأنت أعلم بذلك حيث بقيت صائماً عن هذه الأشياء في ثلثي اليوم، فما الذي بقي؟! كما أن بعض الناس قد تركوا هذه الأشياء ولم يرجعوا إليها مرة أخرى، ويحمدون الله دوماً على المعافاة والفكاك من أسر هذه الأمور، فقط الأمر يحتاج إلى أمور من أهمها: 1/ الصدق مع الله في الرغبة الجادة عن الإقلاع. فإذا علم الله صدقك على المعافاة فإنه بتوفيقه وفضله سيوفقك لذلك، قال الله تعالى عن صحابة نبيه عليه الصلاة والسلام لما كانوا في الحديبية ومنعهم المشركون من العمرة ثم كانت بيعة الرضوان ثم صلح الحديبية، قال الله تعالى عنهم: «لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً». فانظر إلى قوله تعالى : «فعلم ما في قلوبهم» من صدق في الإيمان ونصرة لله ورسوله، فكان ذلك سبباً في السكينة في الحال والفتح في المآل وهو فتح مكة العظيم. فاصدق في رغبتك في الخلاص من هذا الداء يأتيك من الرب القدير التوفيق والشفاء. 2/ إدراك الخطر الديني والدنيوي، المتمثل في هذه المعصية.. وإن في شرب الدخان و «سف» التمباك وشرب الشيشة التلف في الصحة والضياع للمال. وهي من الخبائث، قال الله تعالى: «ويحرم عليهم الخبائث» وهي مهلكة للصحة وفي ذلك تقارير وإحصائيات، وأصبح من هموم الدول محاربة التدخين والشيشة وما نحا نحوها، قال الله تعالى: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» وقال الله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً» وهل متعاطي هذه الأشياء بحاجة إلى أن تذكر له الأضرار الصحية التي تسببها؟! وقد رأيت مقطع فيديو متداول بكثرة يقال إن كثيرين ممن رأوه تركوا التدخين فيه توضيح عملي لكيفية تغير لون الماء وقد أصبح شديد السواد عندما تم شفط الدخان إلى الكوب !! و «التمباك» كذلك فإن أضراره الصحية لا تخفى ومعلومة وهو خبيث من الخبائث، ويكفي من خبثه أننا نرى الداخل للمسجد يضع «كيس تمباكه» داخل حذائه!! وفي هذه الأمور إضاعة المال وقد نهت الشريعة عن ذلك، كما أن من يشتري بماله هذه الأشياء فإنه سيسأل عن هذا الصرف وغير خافٍ حديث: «وماله من أين اكتسبه وفي ما أنفقه»، فالجنيه الواحد سيسأل عنه من يصرفه فكيف بجنيهات كل يوم وأيام؟! وإن الملائكة لتتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فكم يا ترى تبلغ أذية «التمباكة» و «المدخنين» لعباد الله من الملائكة والناس؟! وأذية هؤلاء لأولي القربى أشد كما هو معلوم. 3/ العزيمة القوية، والعقل الراجح.. فإذا كان في هذه الأمور الضرر الديني والمالي والصحي والاجتماعي فلماذا الإصرار عليها؟! 4/ الرغبة الأكيدة في الانتصار على هوى النفس .. ورغباتها «الدنيئة».. قال الله تعالى: «وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى». وإذا كان من حِكَمِ مشروعية الصوم الانتصار على رغبات النفس بترك المباح الحلال من شهوة الطعام والشراب، فكيف بترك المحرمات والخبائث؟! 5/ الإكثار من دعاء الله بالمعافاة، والإلحاح على الله في الدعاء. يجب علينا أداء النصيحة.. وعدم اليأس والاستسلام لترك المبتلين بهذه الأشياء لها، وحتى «الحبوبات» المبتليات «بسف» التمباك لا يُيأس منهن .. فليوعظن.. لترك هذا الداء. ومزيداً من نشر الخير ونحن نستقبل شهر الخير والهداية، ومزيداً من التذكير بالانتصار على الأهواء ورغبات النفس المضلة ونحن نستقبل شهر الانتصار على أهواء النفس والانتصار على ملل الكفر كما كان في بدر والفتح .. ورحم الله امرئً أخلص لأهله وأقاربه ومجتمعه. وهل من أخلص سيغفل عن النصيحة والدلالة على الخير وترك الشر؟! فيا أخي المبتلى بهذه الأشياء التي هي منكرات شرعية وأضرار بدنية، احزم أمر نفسك، ولتكن لك في هذا الشهر الكريم المعافاة التامة من هذا الداء الوبيل.