4 مليارات دولار خسائر لبنان من تراجع السياحة الخليجية
بات واضحا أن تراجع القطاع السياحي في لبنان قد أثار المخاوف من نتائج اقتصادية سلبية واضحة المعالم وسط قطاع الأعمال المحلي، وقد بدأ هذا التراجع في حركة الوافدين منذ العام 2011، متزامناً مع تداعيات الأزمة السورية إلى جانب تأثير الخطابات السياسية “النارية” لميلشيات حزب الله أخيراً، ولا سيما لجهة تسببها في تعكير العلاقات اللبنانية – الخليجية، حيث يكشف ذلك الانكفاء الخليجي السياحي الكلي عن زيارة لبنان.
وتشير الأرقام التي اطلعت عليها “العربية.نت” بشكل واضح أن العام 2011 كان بداية لمنحى تراجع عدد القادمين إلى لبنان، حيث تعطل الممر البري للسياح الخليجيين الذين كانوا يقصدون لبنان وسوريا في آن معاً. وأصابت الأوضاع السياسية والأمنية الرعايا الخليجيين بشكل خاص نتيجة حذرهم من المجيء.
والأرقام الصادرة عن وزارة السياحة اللبنانية خير دليل على ذلك، إذ تشير إلى تراجع عدد الخليجيين القادمين إلى لبنان بنسبة 40.2% في 2011، العام الأول للأزمة السورية، مقارنة بالعام 2010. وفي العام 2012، هبط عددهم بنسبة 57.8% في حين سجل تراجعاً بنسبة 40.6% في العام 2013.
لكن موجة الهبوط هذه سرعان ما جوبهت بتحسن في حركة الخليجيين بنسبة ملموسة خلال العامين 2014 و2015، لتسجل نمواً بنسبة 12.8% و6.8% على التوالي. وهكذا يلاحظ أن عدد الخليجيين تراجع من 385.984 في العام 2010 إلى 104.551 زائر في العام 2015 أي بانخفاض حاد بلغت نسبته نحو 73%.
الزوار السعوديون
مما لاشك فيه أن المملكة العربية السعودية تشكل مركز الثقل بين بلدان الخليج بالنسبة لحركة الوافدين إلى لبنان، وهي تستحوذ على نسبة قريبة من الـ 50% من إجمالي الزوار الخليجيين، ونظراً إلى الموقع الوازن الذي تمثله المملكة، يلاحظ أن تراجع عدد الزوار السعوديين جاء مساوياً لتراجع عدد الزوار الخليجيين.
ففي العام 2010، زار لبنان 191,066 سعودي ليتراجع هذا العدد بنسبة 41.5% في العام 2011، وبنسبة 34.9% في العام 2012 و 43.6% في العام 2013. بينما طرأ تحسن محدود نسبياً على حركة الزوار السعوديين خلال العامين 2014 و2015، فسجل العام 2014 زيادة بنسبة 11.8% وفي العام 2015 زيادة بنسبة 4.5%. وهكذا يتبين أن عدد الزوار السعوديين قد هبط من 191,066 في العام 2010 إلى 47,831 في 2015 أي بتراجع نسبته 75%.
الفنادق الأكثر تضرراً
ومن يراقب القطاع السياحي اللبناني عن قرب، سوف يكتشف أن هذا القطاع يعيش انتكاسات متتالية منذ العام 2005 ناجمة عن حالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد، وطالما أن المؤسسات السياحية في مجملها تعاني الأمرين نتيجة انغماسها، وعن غير قصد، بمستنقعات “سياسية طائفية” لفريق حزبي في الحكومة اللبنانية يجر البلاد نحو الانهيار، فمن الطبيعي أن لا يكون القطاع الفندقي بخير.
في لبنان، يوجد ما يقارب 460 فندقاً، يضمون حوالي 23 ألف غرفة، ولكن منذ العام 2011 تراجعت أسعار الغرف، لتصل اليوم نسبة هذا التراجع الى حوالى 40%، وفق ما يؤكده رئيس نقابة أصحاب الفنادق اللبنانية بيار الأشقر لـ”العربية.نت” في ضوء نسبة إشغال تتراوح ما بين 25 و45% مقابل 76 و80% خلال الأعوام 2009-2010.
لا يخفي الأشقر حجم الخسائر المتراكمة والأعباء المالية على أصحاب المؤسسات السياحية، بعدما تراجعت نسبة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي من 7 مليارات دولار في 2010 إلى 3,5 مليار في 2015، لتصل إلى حد الإقفال الجزئي لبعض منها وصرف الموظفين في محاولة لخفض التكاليف والصمود قدر المستطاع.
ويضيف الأشقر: “خسرنا عدداً كبيراً من الزائرين، إضافة إلى أن أيام الإقامة في الفنادق تراجعت بحوالي 60%، فالزائر الخليجي الذي كان يمضي حوالي الشهر والنصف في لبنان، أو الذي كان يستفيد من مشاركته في المؤتمرات والفعاليات ليطيل إقامته لأكثر من أسبوع، بات لا يمضي أكثر من ثلاثة أيام، للأسف لا يمكن التعويض عن السياح الخليجيين إن لجهة حجم الإنفاق الضخم أو لجهة مدة الإقامة”.
غير أنه يعود ويؤكد أن اللبنانيين باتوا “خبراء بإدارة الأزمات” على خلفية الأحداث والخضات الأمنية التي أصابت البلاد في السنوات الماضية، “لذا فإن سياسة الصمود ورفض الاستسلام وخلق الحلول باتت من ضمن ثقافة اللبناني”.
“نحاول أن نصلح ما أفسدته الطبقة السياسية”، بهذه الكلمات يعبر الأشقر عن عزمه لمواجهة الأزمة، مؤكداً التوجه نحو تعزيز سياحة رجال الأعمال والمعارض والمؤتمرات في محاولة لسد جزء من الخسائر” فرجل الأعمال السوري على سبيل المثال يعمد إلى عقد اللقاءات والاجتماعات مع وكلائه الأجانب في لبنان كونه البلد الأكثر استقراراً مقارنة بالمنطقة “المشتعلة أمنياً” التي تحيط به.
وبغياب السائح الخليجي، يرى الأشقر أن السوق الأردنية والمصرية والعراقية هي الأسواق التي يمكن العمل على جذبها كونها لم تتأثر بالمشاكل السياسية وتوتر العلاقات اللبنانية- الخليجية، وذلك عبر القيام بحملة تسويقية مضادة “لما شوهته الطبقة السياسية”.
لذا وضعت نقابة أصحاب الفنادق استراتيجية جديدة وأفكارا جديدة، بينها طرح فكرة لاسترجاع 200 ألف سائح أردني كانوا يأتون إلى لبنان براً من خلال العمل على تخفيض تذكرة السفر والعمل على باقة من التقديمات.
وفي هذا السياق، يكشف الأشقر عن اجتماعات ستعقد قريباً مع شركة “الميدل ايست” والقطاع الخاص بالتنسيق مع وزارة السياحة ووكلاء السفر الأردنية، لتقديم رزمات تشجيعية في إطار إقامة تتراوح بين 3 و 5 أيام.
ولكن بغض النظر عن هذه الخطط الترويجية، يجزم الأشقر أن لا بديل عن السائح الخليجي، واصفاً إياه بـ”العمود الفقري للقطاع السياحي”، مناشداً السلطة السياسية بإعادة ترميم العلاقات اللبنانية- الخليجية و”إخراس” أبواق التخريب، وإلا فإن البلاد ذاهبة نحو الانهيار.
العربية نت