عبد العظيم صالح : مايو والأنانية..!!
دخلنا المدرسة بعد عام من قيامها!! تعلمنا في مدارسها.. والتحقنا ونحن تلاميذ بطلائع مايو.. لا نعرف ما هي الطلائع؟.. وما هي الكتائب؟.. فقط نشعر بالنشوة ونحن نرتدي زياً أخضر بشريط أحمر.. ويعلو الرأس كاب أخضر.. شكلنا «زي طيور الجنة»!!..
بكيت كثيراً عندما وصلت البيت.. وجدت «الكبك» أكبر من رجلي.. فقد دفعوا لي بحذاء مقاس «11»أدخلته في رجلي وبدا كـ «المركب» فمقاسي ما بين «7 و9».
عندما جاء الصباح كنت مرابطاً أمام مخزن المهمات.. وكنت أول الواصلين.. وعندما فتح المسؤول الباب هرولت إليه «شاكياً» وراجياً حل مشكلتي «العويصة»
يا للدهشة المسألة لم تكن بالتعقيد الذي كنت أتخيله.. فقد أعطاني الرجل المقاس الذي أريد وهرولت مسروراً نحو الطابور!!
أكثر ما كان يطربنا صوت ينبعث من مايكرفون يدوي يحمله المدرب «جون».. كنا نضحك لهذه الموسيقى الصادرة من هذا الجهاز العجيب!!
تقلبنا في مدارس مايو «ومناخاتها» وعندما دخلنا الجامعة كنا من الطلائع التي شاركت في الانتفاضة ضد مايو.. هذه المرة سقف المطالب ارتفع ولم تعد المسألة «قميصاً» أو «جزمة» أو انتظاراً لموسيقى تصويرية حالمة.. كنا نهتف للحرية وللديمقراطية وندين بشدة ارتباط مايو بالبنك الدولي ونهتف «مصير نميري مصير بوكاسا ولن يحكمنا البنك الدولي».
إنني اليوم أقف في مساحة «محايدة» من مايو مقارنة بـ «أهوال» «الإنقاذ»!!
ليت التغيير كان متدرجاً وهادئاً من داخل مايو.. وهذه أمنيات فمايو بدأت الانحدار عندما غيرت جلدها اليساري واستحقت اللعنة عندما اتجهت نحو اليمين وصالحت الصادق المهدي والترابي!
النتيجة الماثلة أن مايو أطاحت بثورتها وبمكتسبات الشعب السوداني في الحفاظ على مؤسسات الدولة وعلى اقتصاد يحفظ «الطبقة الوسطى» التي هي «أس» التوازن بين كل الطبقات!!
مايو اخطأت عندما تحولت لنظام «فردي» ديكتاتوي انفرد به اليمين حتى أورده مهلك النهاية.. وعندما جاءت الانتفاضة الشعبية لم تجد شيئاً تسند به شعاراتها فاختطفتها مرة أخرى تشكيلات اليمين السوداني البغيض بلافتات و«تكتيكات» وبرامج «مختلفة» وملتوية!!
في ذكرى «مايو» هل من حقنا أن نحلم بدولة مدنية حديثة خالية من مساحيق القبلية والعنصرية والآيدولوجية والحزبية «الأنانية»!!
هل هناك أنانينة أكثر من «هذه»!!