فيصل محمد صالح : قراءة ثانية
أمتعنا العم الأستاذ السر قدور نهار الخميس الماضي وهو يسوح بنا في عوالم القراءة والكتابة ونحن نناقش كتابه الجديد “قراءة ثانية” في منبر طيبة برس، وهو تجميع لمقالات نشرها بهذا العنوان في صحيفة “الرأي العام”. وقبل شهر دشن الأستاذ قدور كتاباً آخر هو “زمان الناس” وهو أيضا تجميع لمقالات نشرها في صحيفة “الخرطوم”. يهتم قدور بالكتابة والتدوين والتوثيق ويقدم دروساً في هذا المجال لناشئة الكتاب ومخضرميهم عبر إصراره على الحفاظ على ما كتبه في صورة الكتاب، وهي صورة أخلد وأبقى من الصحيفة.
قدم الأستاذ كمال الجزولي سياحة في عوالم السر قدور ومواهبه المتعددة، وحكى طرفاً من ذكريات تعرف عنه للمرة الأولى. وقد لفتني تعريفه لقدور بـ”المؤرخ الشعبي”، ورأيت فيه تعريفاً صائباً ومناسباً، حيث يؤرخ قدور للأحداث بطريقة غير أكاديمية، لكنه يدخل عليها من باب تماسه الشخصي مع الأحداث والوقائع، ومعايشته لها، ويربط الحاضر بالماضي وأحداثه.
في هذا الكتاب “قراءة ثانية” يسوح بنا السر قدور بين الفن والرياضة والسياسة والتاريخ، يلتقط حكاية من الماضي ويرويها، ثم يربطها بالحاضر، أو يتركها معلقة في ذهن القارئ يفعل بها ما يشاء. يحدث ذلك حين يحكي عن الفيضان في الأربعينات ويربطه بفيضان قريب، أو يطرق موضوع نقص العمالة الزراعية في الحاضر ثم يروي كيف فعل طلاب كلية غردون في عام 1943 حين تنادوا ليعملوا في الحصاد حين قلت العمالة القادمة من غرب أفريقيا.
وفي الكتاب أكثر من حديث عن الرياضة وأهميتها، وكلام عن المنتخب القومي، وعن ألاعيب عصام الحضري حين كان حارساً لفريق المريخ السوداني، وبزوغ فجر الأهلي شندي وهلال كادوقلي، ووداع كابتن برعي أحمد البشير “القانون”. وفيه من طرائف أهل الفن وذكريات الكاتب مع إسماعيل خورشيد وخالد أبو الروس والعميد أحمد عاطف ومع الكاشف وحسن عطية، وفي رثاء وردي ونادر خضر. وهناك شخوص محورية تتكرر في كثير من الكتابات نتيجة لصلة الكاتب بهم، ومنهم الشريف حسين والشريف زين العابدين الهندي، والشاعر الشعبي ود العبيد، وفي حكاياه عنهم طرائف وعبر.
لا يخلو الكتاب من التماس مع السياسة المحلية والعالمية، حين يؤرخ لفيتو روسي ضد مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن بأنه نهاية لعالم القطب الواحد وعودة لنظام عالمي متعدد الأقطاب، وحديث عن عدم الانحياز، وذكرى ثورة يوليو.
يدخل السر قدور في جدل مع الذين يقولون أن أصل اسم الخرطوم يرجع لقبيلة الشلك التي كانت تقطن هذه المنطقة، وهو يرجع الاسم لتسمية مصرية لتفريعات النيل، ويستشهد بكتابات مصرية قديمة تسمي تفريعة النيل عند منطقة المنيل بالقاهرة باسم “خرطوم المنيل”.
الجدل الآخر الذي لن ينتهي سريعاً هو دفاع السر قدور عن سياسة إعلامية قديمة كانت تركز على نشر ما يسميه بـ”الأغنية القومية” وهي أغنية المركز العاصمي، ومحاصرة أغنيات القبائل والمناطق المختلفة في برنامج “ربوع السودان” الشهير، وهو يرى أن ذلك تشجيع للقومية وحصار للقبلية، وبالتأكيد هناك أكثر من رأي ووجهة نظر ترد على هذا الأمر.