حسين خوجلي

يوميات قرفان.. بقلم المهندس «سيبك»


أهلنا الغُبُش عندهم (كِليمة) «بِجدعوها» كُل ما إتطابق الحال مع المقال.. الغُبُش عندهم ريده خاصة للكليمة واللقيمة وفي الليل كان لقيتلك قويمة.. ودِي (لدايات) الشيخ العبيد ود ريا في التربية.. النصيحة للأعوج وفكّة الريق للجيعان وصلاة الليل للغفلان، وفي رواية سمّاها على طريقة الدراويش؛ (القويمة قبل النويمة)!!
النوم البجيب اللّوم والموت بالكوم.
والكليمه العنيتها أول التّبادي في الونسه يا ولدي هي (شقّة البلد تفتيحه) والتفتِّح يعني الإنكشاف، وشقّة البلد ما بتعني بس شد الرحال والسفر والنهيض، شقة البلد فيها التفكُّر والتدبُّر والخلوص لكبد النفس والحقيقة.. وكتيرين الشّقُّو الفيافي والقِفار والبلدان والحواضر، لكنهم عادوا وما عندهم من الكشف «التَّكتح»، لا في التدبر ولا في النصيحة ولا في النظر..
وشقّة البلد قد تطول وقد تقصر، وسفر أهل الخصوص أصلو في المعارف ما في المشارف.. وكم من مسافر فد مِتِر لِقى الرشاش والدعاش، وكم من مسافر عُمُرو ما لِقى إلا العَمَى والطشاش..
والسفر زي ما في الزمن والمسافة، برضو السفر في الناس والحواس.. ودا أنجع وأنفع أنواع السفر.. وزي ما وجوه الرجال خناجر، فكذلك نفوسهم أودية وقلوبهم دفاتر!!
وصاحب الشان العام والخاص لو ابتعد من سفر الأنفس وطريق السالك وأودية الناس يوم واحد، بِتَبْقى فَرَقْتُو بعيدة، وبتبقى مفارقتو للحق مفارقة الطريفي لي جملو..
قُبّال شهر واحد بعد ما طفطفَتْ الجريدة أبوابا وأنوارا، قصدت لَيْ مأتم لوالد صديق قديم في قرية، والصحافة (مقطوعة الطاري) عندنا فيها تلاته خصال ما بِتْشَكْرَن؛ فقدان الصديق وكترة الضيق وقلة الرفيق..
عشان كدي عُذُرنا دايماً مقدّم ولومنا مِتِل عيش القضارف علي ضهور الزوامل؛ لا بتدلَّى ولا بترتاح ضهورو..
وصلت مكان المأتم والناس ما بين الزحام والقيام.. أدينا الفاتحه واترحَّمنا علي الفقيد.. وفي مِتل المجالس الزّي دي أنا بالخبرة بقيت أعرِف ناسي تمام وبعرفوني.. جاني أحدهم وعرفت حالاً اللصاصة والحرفنة وقص أتَر الونسه، عِرِفتو من خِليقتو وتَبَسُّمو ووشُّو المَمَسَّح بالمرقة.. وكان مدخله خاطف مِتِل سوط ود الفراش: (والله حصل لينا الشرف يا أستاذ ومتأسفين.. دمعتنا ما جفّت لاكين برضو الفرصة سعيدة.. والله أنا براي القدامك دا مختار ود الحاري لي زمن أتصدّف فيك جيهة جيهة، شِيتاً في الرّادي وشيتاً في التلفزيون وشيتاً في الجرايد.. وماك طالبني قَسَم لكن والله يا أستاذ أخيّنا الصغير الباقر ما فاتو عدد من ألوان مِن ما مَرَقَت إهاتي بيها صباح صباح من زمن خريف نميري.. إضايِر فيها مضايرة العاقِر في وِليد آخر البُطْنة..
والله شرّفتنا يا أستاذ، والجابني ليك والله يا أستاذ الشديد القوي.. صحي الوكِت مو مناسب إلا الضايق بركب الصعب وصاحب الحيرة بِفتَح خشْم البقرة..
الموضوع أيّاهو الباقر أخوي ذاتو مقطوع الطاري ولوف ألوان.. قرالو هندسة لي الليلة ولي باكر ما بنعرف شكّها من يقينا، لكن عليْ الطلاق يا أستاذ من سنة ألفين يا قعدتي دي معاك طاب خاطرك.. لا لقالو مُشهاد ولا لقالو شُغُل ولا لِقى مشغلة ولا لقى سفر، وكُل ما (الظابورتي) يِنْمَحِي ولاّ يروح نبيع (تَقَره) ولاّ نبيع جدعه.. لكن وحاة البينّا وبينك كل السوّيناهو بالأعوج والعديل طلع ساكت بندق في بحر..
وبي دا كلُّو صبرنا وقلنا أصلو العِرِس والحِرفة والموت في بلد الجن دا مسطّرة ومقدورة.. بقينا نراعي ليهو ونكلفوا ونجادعو.. خفنا علي نفسياتو.. وإياهو يا أستاذ رُكّازتنا وزولنا المتعلم وعليّ اليمين يا أستاذ إناطْق الحجَر.. كان جانا سياسي أياهو البناقرو، وإن جانا خامسي أياهو البداقرو، وإن جانا مسئول أياهو البصاقرو..
قاطعته لكي أُنهي الحكاية، خاصةً وأن الحلقة استدارت بالفرّاجة والهتّيفة دورة كاملة: (طيب المشكلة في شنو يا مختاو ود الحاري ما دام بناقِر وبداقِر وبصاقِر؟).. ولكنه تجاهل تبريري وضيقي وقلّة ريقي، واستمرَّ قائلاً: والله يا أستاذ عندو ليك جِنِس ريده!.. داك الليله جبنا لينا بُلطي وبطيخ، قام قال لي: (تعرف يا مختار ود خوجلي دا مرّة كتب في ألوان إنو أهلو بحبّو السمك والتَّمَك…) ومات بالضِحِك، ما أطوِّل عليك وكِت عطالتو فاتت الحد وبِقَى لايص في الفارغة والمقدودة، جاب أولاد الحلّه ونِحنَ بنراعي ليهو من بعيد.. قام سوَّا ليهو اجتماع حدادي مدادي وقال للجِنْيات نسوِّي لينا (مجتمع مدني).. دا دحين يا أستاذ كان ما طمسه ساكت البجيب مدني لي ضهارينا دي شنو؟ فقلت له وأنا ألاحق ليل (التِريّا) مصحِّحاً في ضيق: لا هو يقصد جمعية من جمعيات المجتمع المدني. فأذعن قائلاً: أياهو مِتِل قولك إلا ذوَّقو وزادو.. والله الكلام حِزَّة ما زاد لمّن عشّه بت الشول المِدَرِّسة قامت قالت لي نسوان الحلّه: الباقر ود الحاري بقى يلِف السِجاره ظنّيتو انخَبَل من قلة العمل..
الحقيقة يا أستاذ الكلام والاجتماع عجب الجَنُّوي والشباب بلحيل.. عجباً فات حدُّو ووِصل الفتوات البايرات والقريب والبعيد ودوَّرت الساقية.. شِي دروس عصُر وشِي نضافة شوارع وشِي مجالس نصيحة وشِي كوره وشي انجليزي وشيتاً كُتُر ما بنفُرزو..
وفي ليلة مكاجرة متِل سواد العدو نحَرَى ما ندْرَى جوا جماعة مسلّطين طبَقوا الباقر وسبعة من جماعته.. لا عرفناها حكومة، لا عرفناها عصابة لا عرفناها مهاجرية، لا عرفناها جِن أحمر، ولا أدّونا إِذِن ولا أدّونا ورقة ووين ما قبّلْنا وسألنا، ما لقينا جواباً شافي ولا ردّاً يطمّن، وما بقى لينا إلا أحمودي ود مساعد زول المحلية ولاّ السر عبد السيد زول المكاشفي عريف طريقتنا، والإتنين بقُدرة الله اتطابقوا ونصحونا بالصبر الجميل وكانوا قُبّاله يا أستاذ فَرْق السما للدغنة لا بدورونا لا بندورُن إلاالمصالح والظّيتة..
صبرنا الشهر الأول والثاني وإيدنا فوق قلِبنا وقُلنا لي أُمّو حاجّة الحرَم، المهندس دا مشَى كورس في بلد الريف والأُم قلبها رهيف، لكن وقفتنا عليها يوماتي غبَّتْ الأَتَر وصبَرَتْ صبر المتدارك..
ربّك رب الخير بعد تلاته شهور جانا الباقر وجماعتو (تَفْ) وقفوا قِدّامنا نُضاف مِتِل قزاز لبنان، والحق لله كانوا زينين وتريانين لحدَّة ما قُلنا أريتُم لو قعدوا طوالي، لكن كلامُن يا أستاذ قلَّ.. إلا الباقر دخلتو (قَرْفَة) أبَتْ تمرُق تَبْ.. قاطعته قرفة من شنو؟
قال: قرفة من حالو وحالنا وحال البلد.. كان جا سيد اللبن يطُرْدوا ويصرخ في وشّو.. سيبك بلا لبن بلا زِفْت ما هو نِحْنَ قاعدين نشرب شاهي باللبن نصف قرن حصل لينا شنو!!!
سيد التِبِش.. سِتّات العِدّة وسيد الدلاقين مقابِلِن بالسيخ والفسيخ والرد المسيخ..
داكا الليلة جابو كرِت عِرِس ود حسن المبروك، قام فيهم قومة مي قومة نَصاح يا اللّهْ فكّيناهو مِنّهُم..
(سيبك بلا عرس بلا مسخرة.. ما هو داك عامر ود كوراك عندو تسعة أولاد أضافوا شنو للبشرية غير الفلَس والنحْس والتُّمباك والعطالة؟!!)
والله يا أستاذ دخلنا في (أمراً) ضيِّق.. كلو دا خليناهو يا أستاذ الخميس المو بعيد جونا ناس الوحدة وقالوا دايرين البلد يبقى حالة واحدة، وبدل ما الناس اتقابضوا الحزز واتلاقوا بالعكاكيز حقوا اتقاسموا النَّبَقة ويسمعوا كلام الخير والإيمان واحتسبوا الفات..
والله يا أستاذ قام فيهم قومة كلباً قبض في (هو) ما خلَّى فرضاً ناقص وما خلّى ليهم صفحة إرقدوا عليها وقال ليهم: (سيبك بلا وحدة بلا زفت بلا انفصال بلا لمّة بلا نبقة بلا حساب بلا احتساب).. والكلام تاني بِقى كُتُر ودخل القش.. شي في فتنه علي ومعاوية وشي في الأموية وشي في عنبر جودة وشي في نيفاشا وشي في مرض الاستسقاء وشي في وجع الاستفتاء..
وياتْ من فتح خشمو نطَّ ليهو في رقبتو وقال ليهو:
(ياخِي سيبك وخلِّي بالك في كلام ما بنقدر نقولوا)
والليلة يوم الليلة يا أستاذ أخونا المهندس الباقر بقى إسمو في القِبَل الأربعة (المهندس سيبك)..
لا لقيناهو لا لقينا شغلو ولا أضانّا ارتاحت..وعندما انتصف الليل وأنا مشدوه ومشدود بطلاوة الطرح واتساع الدائرة والعامِّية العجيبة المصقولة والمفيدة.. قلت له: يا ود الحارى أخونا الباقر دا من حزب سوداني كبير إسمه حزب (الرافِضة) وهو حزب يحتاج لنصف بلد مسالم خير من بلد كامل متشاكس.. ويحتاج لإلفة وحب واستيعاب.. وإنه عندي مثل زاهر أرمل مكة الذي قال للمصطفى: (لتجدني يا رسول الله كاسداً) فقال المصطفى أمير الأنبياء وإمام الدنيا: (والله لأنتَ عبد الله غالٍ).
دعه يصِلُنا وسوف نعلن عن باب جديد بالصحيفة تحت مُسمَّى (يوميات قرفان) – إطلالة يومية يكتبها (المهندس سيبك).