رأي ومقالات

عائشة سلطان : دعوهم يثرثرون.. إننا نبني

ما نفعله اليوم سنراه في منتهى نضجه واكتماله غداً، حين يستوي الزرع ويحين الحصاد، دعوا القوافل تسير، دعوا الذين لا يجيدون سوى الثرثرة يثرثرون، فنحن مشغولون بالعمل.

في كل ما ننشئه ونربيه ونهتم به ونبنيه، في الإنسان أولاً وفي الإنسان عاشراً، ثم بعد ذلك في كل ما يحيط بنا، نحن لا نربي أجساداً ولا نبني أبراجاً ونوادي وقصوراً وحدائق فقط، نحن نمارس فعل بناء متكامل في الإنسان من أول مفاهيمه إلى نهاية انطلاقاته وأحلامه، نبني أخلاقه وزوايا النظر إلى العالم حوله، وتعاطيه مع الظروف والمواقف والبشر بكل توجهاتهم وأخلاقهم وانتماءاتهم، نبني التحضر والتفهم والقدرة على الاستيعاب والاحتواء والتسامح في أكثر المواقف توتراً!

في مكان يموج بكل أنواع البشر، في منطقة برج خليفة بدبي، حيث الحياة كما لا يمكن أن تكون في أي مكان آخر من الجغرافيا العربية، وقف رجل بصحبة زوجته وأولادهما، قالا ما لا يجب، وما لا يستحق أن نستعيده ونرد عليه، لأن ذلك من باب الجدل الذي لا فائدة من ورائه، لكن لا بأس من التوقف لقراءة دلالاته وانعكاساته على من استمع له على الأقل من أبناء المكان!

قال الرجل لزوجته وهو يتميز غيظاً، بدا ذلك واضحاً في نبرة صوته: «هؤلاء لا يفكرون في غيرهم، ليس لديهم أدنى فكرة عما يحدث حولهم من كوارث، لاهون في عبثهم وغناهم»، ردت عليه زوجته بتجاوب متسق تماماً: «كيف لهم أن يشعروا بغيرهم وهم يغرقون في هذا النعيم»، وفجأةً ركضا معاً، ليلتقطا صوراً لهما على خلفية أكبر نافورة راقصة بناها أناس لا يشعرون بغيرهم، وأكبر بناء على وجه الأرض صنعه أناس لاهون عبثيون!

ليس مقبولاً كل ما قاله ذلك السائح لزوجته، ليس مقبولاً من حيث الفكرة ومن حيث المضمون، فكل ما يقوم به الإماراتيون حيال قضايا التنمية والإنسان والطفل والمرأة والبيئة والفقراء والمياه، و.. و..، معلوم ومشهود وثابت، بما لا يحتاج إلى تأكيد أو مزايدة، لذلك نقول إنه ليس عدلاً ما قاله لها، وليس منصفاً جوابها، مع علمنا بأن هناك كثراً ممن يقولون ذلك، لكننا نؤمن بأن السحاب يمضي هذلاً بالخير حيثما كان دون أن يلتفت إلى أي نباح!

الذين سمعوا كلام الرجل مع زوجته استاؤوا وغضبوا، بل كادوا يتصرفون بما لا يليق بمضيف تصرف ضيفه برعونة، لكنهم تذكروا تعاليم الآباء وأخلاق العرب وتربية الإماراتيين، وتعاليم الدين النقي، «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً».

فأمسكوا ألسنتهم وحتى أيديهم، قالوا: سلاماً، ومضوا، لم ينل السحابَ شيء من النباح، ودون أن ينال ذلك الكلام البغيض منهم إلا كما تنال الإبرة إذا غمست في المحيط! لذلك نحن نربي وننشئ ونحصّن، نحصّن شبابنا كما نحصّن وطننا الذي نقول له كل صباح: «حصّنتك باسم الله يا وطن».

البيان