محمد لطيف : الأمم المتحدة.. هل تمارس التحايل
اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام (1946).. هذه الاتفاقية تحتشد بعبارة واحدة تكاد تكون هي لحمة هذه الاتفاقية وسداتها.. وهي التأكيد على أن موظفي الأمم المتحدة وكل منسوبيها يتمتعون بذات الحصانات والامتيازات التي يتمتع بها الموظفون الدبلوماسيون لدى الدول الأخرى.. ولعل هذه الامتيازات تكاد تكون معروفة للجميع.. غير أن الاتفاقيات والقوانين وحتى الأعراف التي شرعت لحماية الدبلوماسيين قد أخذت في الاعتبار.. بل وبعناية عالية.. حقوق الدول وسيادتها أيضا.. وبات معروفا أن وجود أي دبلوماسي في أرض الدولة الغير.. رهين بموافقة تلك الدولة.. بل إن القواعد والأعراف الدبلوماسية تحرم مجرد الكشف عن اسم أي دبلوماسي مرشح لدولة أخرى قبل موافقة تلك الدولة.. بل إن هذه القواعد قد أعفت الدول من حرج الرفض المعلن والمباشر لهذا الدبلوماسي أو ذاك.. وبات التقليد أنه إذا لم تعلن أي دولة عن موافقتها على ترشيح اسم ما خلال ثلاثة أشهر يعتبر ذلك رفضا.. وعلى الدولة المرشحة سحب ترشيحها القديم والدفع بترشيح آخر.. ويعتبر ذلك من صميم أعمال السيادة لدى أي دولة من الدول..!
كانت هذه مقدمة مهمة نتناول بعدها قضية منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان.. ولأن الجدل كثيف حول خروجه.. فثمة معطيات تستدعي التوقف عند كيفية دخوله ابتداء.. لقد بدأت الأزمة.. كما تبدو.. وكما فهمت.. وكما قد يظن البعض.. بإعلان الأمم المتحدة عن طرد حكومة السودان لأحد كبار موظفيها وهو السيد إيفو جيفرسن.. فهم الناس فورا أن قرارا قد صدر بطرد الرجل.. ولكن الأمم المتحدة نفسها.. وحتى قبل أن تقول حكومة السودان حرفا كعادتها.. عادت وقدمت تفسيرا جديدا لكلمة طرد.. قالت فيه إن موظفها القيادي تنتهي فترته في يوينو القادم وإن الحكومة رفضت التجديد له.. وفي رأيها أن هذا الإجراء هو بمثابة طرد كامل..!
ولكن.. يبدو أن الأمم المتحدة.. ومع كامل الاحترام والتقدير.. قد قالت نصف الحقيقة فقط.. ولم تقل الحقيقة كاملة.. فما هي الحقيقة.. أو ما هي قصة فريجسن مع حكومة السودان..؟ ما لم تقله الأمم المتحدة سادتي.. أن القصة قد بدأت منذ عامين أو أكثر.. ففي ذلك الوقت تقدمت الأمم المتحدة لحكومة السودان عبر سفارتها في القاهرة بطلب في الرابع عشر من يناير 2014 أن تقبل للسيد إيفو فريجسن أن يكون مسئؤلا عن تنسيق الشؤون الإنسانية بالسودان للفترة من 20 يناير 2014 وحتى 20 أبريل 2014.. أي لمدة ثلاثة أشهر فقط.. لاحظ أن الطلب قدم قبل أسبوع فقط من تاريخه بدء مهمة إيفو في الخرطوم.. وقد وصل الرجل وواصل مهمه بالفعل.. غير أن المفارقة أن الأمم المتحدة لم تكن حريصة على توفيق وضع موظفها الكبير في السودان.. فقد ظلت تجدد له فتراته المؤقتة.. حتى بلغت.. ولك أن تحسب يا رعاك الله.. التجديدات أو التمديدات التي حصلت عليها الأمم المتحدة لصالح بقاء موظفها في هذا الوضع الاستثنائي هي نحو عشرة تجديدات.. وهو بكل القاييس رقم غير مسبوق.. وبهذا يكون السؤال.. لا لماذا طردت حكومة السودان إيفو فريجسن.. بل لماذا صبرت حكومة السودان على السيد إيفو ومنظمته وهذا الوضع الشاذ كل هذه الفترة..؟!
الواقع أن حكومة السودان.. وبتحايل من الأمم المتحدة.. قد حرمت من أن تقول رأيها في من يرشح للعمل لديها.. كما تقضي القوانين والأعراف الدبلوماسية.. إذ أن الأمم المتحدة وحتى يوم الناس هذا لم تقدم ترشيحا رسميا لمن يشغل هذا المنصب الذي تدعي أنه مهم وحيوي وحساس.. وتصر على استمرار هذا الوضع الاستثنائي.. كما لم تكن المنظمة الدولية حريصة على حماية موظفها بتقنين وضعه في السودان.. والحكومة لم تفعل غير ممارسة حقها السيادي في إيقاف.. تحايل الأمم المتحدة.. هذا شكلا.. أما موضوعا فلنا عودة..!