مشروع الفعل الجماعي : اسماء محمد جمعة
بمناسبة قطوعات الكهرباء والتي تقوم ببرمجتها شركة الكهرباء لترشيد الاستهلاك وعذبت بها الناس حيث اجتمعت عليهم حرارة الصيف وقطوعات الكهرباء ومعها ضنك المعيشة وإحباط الحكومة، الأستاذ عثمان ميرغني أول أمس اقترح في عموده المقروء (حديث المدينة) أن تمنح شركة الكهرباء المواطن حق الاختيار بين الترشيد طوعاً أو مواجهة حرارة القطع، ووضح بفكرته تلك أن أهل كل حي سيجدون بإمكانهم التحكم في قطوعات الكهرباء بترشيد استهلاكهم، ولكنه اشترط أن الأمر يتوقف على قدرة المواطنين على (الفعل الجماعي) الإيجابي – طبعاً، وقد أشار إلى أن الفعل الجماعي من خصائص المجتمعات المتطورة، أما الفقيرة فتتميز بالأنانية وحب الذات والافتقار إلى روح العمل الجماعي.
طبعاً فكرة الأستاذ سليمة وممكنة إذا كنا في مجتمع متحضر قادر على صناعة الفعل الجماعي، ولكن المجتمع السوداني ما زال واحد من المجتمعات التي سماها فقيرة وتتميز بالأنانية وحب الذات والافتقار إلى روح العمل الجماعي، وهذا السلوك هو نفسه (فعل جماعي) ولكنه سالب تعلَّمه المجتمع من ظروفه السالبة، فالحكومة مشغولة بنفسها ونسيت أن لها واجبات تجاه المجتمع تتمثل في توفير الحياة الكريمة والتعليم والصحة والعمل وجعل المواطن يشعر بالتقدير والحب الأمان والانتماء، وهذه كلها مطلوبة لكي يصبح المواطن قادر على اكتساب السلوك المتحضر المقرون بالوعي الذي يجعل الإنسان يفكر بعقل سليم ويرى الأمور بنفس نظيفة، فيصبح ناكراً لذاته مشبَّع بروح المجموعة وليس العكس.
حين قال سيدنا عمر: (قاتل الله الفقر) كان يعلم تماماً أن الفقر مدمر للإنسان وأخلاقه، والشعب السوداني لم يصبح أناني ويفتقر لروح العمل الجماعي إلا خلال سنوات الإنقاذ هذه، وهو اليوم أن كانت لديه قدرة الفعل الجماعي لاستطاع أن يقلع هذه الحكومة ويأتي بغيرها، وهو أحوج لهذا الفعل الآن من أي شئ آخر.
أستاذ عثمان قال: إن مثل هذه السياسة تدرِّب المجتمع على الفعل الجماعي، ولكن لا يمكن للمواطن أن يتدرَّب على الفعل الجماعي في ظل هذه الظروف التي تقتل في داخله ليس روح الجماعة فحسب، بل وكل سلوك متحضر ليتصرف بشكل أقرب إلى حالة القطيع الذي تتفجر فيه فطرة الخلاص الفردي عند مواجهة الأخطار والتحديات، والفعل الجماعي في الدول المتحضرة تحقق لها لأن الحكومات أرادت لشعوبها أن تكون واعية ومدركة وهيأت لها الظروف، تلك الحكومات لم تأت بانقلاب ولم تتاجر بالقيم والأخلاق ولم تعبد السلطة وتدمن الثروة، تلك الحكومات مثلت دور القدوة لشعوبها، فلم تجد شعوبها بداً من أن تمضي في ذلك الطريق الممهد تفكِّر وتتصرف بتناغم.
المواطن السوداني الآن أحوج ما يكون إلى أن يبدأ مشروع للفعل الجماعي، ولكن ليس من أجل ترشيد الكهرباء، فمثل هذا السلوك يجعل الحكومة تتغاضى عن القيام بواجباتها فهي ما زالت تعتمد على المواطن في كل شيء وله تجارب كثيرة معها، ومؤكد أن فعل المواطن بهذه الوصية، فإن الحكومة ستستمرأ الحكاية وتستثمر هذا الفعل لمصلحتها الفردية .
نعم، يجب أن يتعلم المواطن أن يفكر بصورة جماعية ويتحلى بروح العمل الجماعي ويتدرب على صناعة الفعل الجماعي، ولكن ليس من أجل ترشيد الكهرباء، بل من أجل التغيير وإزالة كل ظرف يجعله شعب فقير يتميز بالأنانية وحب الذات ويفتقر إلى روح العمل الجماعي ليعرف كيف يفكر بتناغم ويصنع الفعل الجماعي تحت أي لحظة عندما تقتضي الضرورة.