موسى يعقوب : المشهد السياسي
في الذكرى السابعة والأربعين لـ”مايو” نقول.. لم تمر ذكرى (25) مايو هذه المرة على ما درجت أن تمر عليه في المرات السابقة، ففتح لها الإعلام المقروء وغيره الباب واسعاً للإطراء والتذكير ببعض المشاهد والوقائع.. ونذكر منها– كما طالعنا في صحيفة (السوداني) وهي تستنطق السيد العميد “منير حمد” سكرتير الرئيس “نميري”، قوله:
إن “النميري” عندما بلغه نبأ وفاة الإمام “الهادي المهدي” ذرف الدمع وأغمي عليه، بل أصيب بصدمة قلبية حتى استدعي طبيبه الخاص لعلاجه.. وعندما أفاق وعلم بالتفاصيل بعث بمذكرة إلى الرئيس الإثيوبي يومئذ “هيلاسلاسي” يلومه على موقف بلاده الخاص بدعم وسند معارضي الجزيرة الذي انتهى بمقتل الإمام “الهادي” على الحدود الإثيوبية، وكانت استجابة الإمبراطور الإثيوبي للمذكرة إيجابية، إذ أقال وزراء الداخلية والأمن والإعلام..!
فـ”النميري” لم يكن خلف مقتل الإمام “الهادي”، تلك العملية التي أحيطت بالوقائع والأنباء والمعلومات المختلفة بين (تسمم) واغتيال مع بعض مرافقيه، إذ إن الإمام غادر موقعه في الجزيرة أبا بعد القصف الأرضي والجوي الذي وجه إليها ومن فيها من أحباب وأنصار وحلفاء تعاونوا مع الإمام سياسياً وعسكرياً حتى لحظة خروجه ومغادرته.
وأضاف العميد “حمد” لتلك الشهادة إن قصف الجزيرة لم يكن بأمر من “النميري” الذي كان يريد التفاوض مع الإمام وأرسل له ثلاثة وفود.
العميد “منير حمد” بشهاداته تلك يكون قد برأ “النميري” من مقتل الإمام وضرب الجزيرة أبا الذي يقولون إن ترتيبات عسكرية وأمنية قد أملته دون علم الرئيس أو مشورته..!
الرئيس الراحل “جعفر نميري” (انقلابي بطبعه) كما يقول الشهود وتحكي الوقائع، وفي باله منذ فترة طويلة تغيير الأنظمة والاستيلاء على السلطة.. وفي 25 مايو 1969م رغم أن الشيوعيين كانت لهم نصائحهم وإرشاداتهم الأمنية بشأنها في تاريخها المعلوم.. لم يعمل “النميري” بتلك النصائح والإرشادات وإنما نفذ خطته الرامية إلى الاستيلاء على السلطة.
وإبان سلطته التي استمرت لستة عشرة عاماً وهي الأطول في تاريخ الحكم بعد الاستقلال يومئذ كان قد تعرض لجملة تحديات ومصادمات من أشهرها:
{ انقلاب “هاشم العطا” في 19 يوليو 1971م.
{ وما عرف بحادث المرتزقة في يونيو 1976م، وقبله محاولة “حسن حسين”.
وغير ذلك الكثير الذي كان آخره انتفاضة (6 أبريل 1985م)، التي أودت بالنظام وهو في الخارج (واشنطن) طلباً للعلاج، وانتهى به الحال بعد الانتفاضة إلى الإقامة في جمهورية مصر العربية لسنوات عاد بعدها إلى بلاده آمناً.
الرئيس السابق “جعفر نميري” – كما قلت ساعة رحيله عند علاجه في السلاح الطبي أنه أخيراً (مات على السرير الأبيض) وليس على يد من قصدوه بالسلاح، وقد ذكرنا منهم انقلاب “هاشم العطا” الذي حاصره وحجزه في القصر الجمهوري.. وحادث المرتزقة الذي قصد ضربه وحصاره وهو يهبط في مطار الخرطوم عائداً من باريس غير أنه لم يصب بأذى– كما ذكرت في مقالي المذكور..!
والشيء نفسه هو ما حدث قبل ذلك- أي في شعبان 1973م- وكادت أن تودي بالنظام و”النميري” في مهمة خارجية بالمغرب العربي، إلا أنه عاد ووجد أن السيطرة عليها تمت.
“النميري” الانقلابي ورغم كثرة التحديات التي أحاطت به ونضيف إليها تمرد الحركة الشعبية لتحرير السودان SPLM (مات على السرير الأبيض) كما قلت في عمودي بـ(أخبار اليوم) في 31 مايو 2009م، فهل (حسناته وقته) كما يقولون..! ربما.
وأكثر من ذلك ما كتبته بعد تشييعه من منزله بود نوباوي إلى مقابر “أحمد شرفي” تحت عنوان (يا هو دا السودان)، حيث سدت يومها أمواج المشيعين الطرقات في ود نوباوي وامتلأت دار ود نوباوي الرياضية بالمسؤولين العسكريين الذين انتظموا في مسيرة رسمية عسكرية وشعبية تبعت جثمانه بعد الصلاة عليه حتى القبر.
وختمت القول في ذلك العمود بتاريخ 1 يونيو 2009م، إن من رأى ذلك وسمعه أو قرأه وشارك فيه من أهل السودان وغيرهم أن يقول (يا هو دا السودان)، ففي السودان عندما تحن ساعة الحقيقة ينطق بها الكل.
إنها كلمات كان لا بد أن تقال، وقلناها، ورحم الله “النميري”.