مزمل ابو القاسم

حديد مغشوش.. وكلو مضروب


* لا أدري هل أمتدح الهيئة القومية للمواصفات والمقاييس على حملات التفتيش التي أجرتها على مصانع ومتاجر بيع حديد التسليح والخردة في الشهور الثلاثة الماضية، أم أنتقد غفوتها الطويلة عن متابعة هذا الملف الخطير، بعد أن كشفت هبتها الأخيرة ما يشيب لهوله الولدان.
* أثبتت الحملات مخالفات جسيمة، بلغت نسبتها (54 %)، في مصانع الحديد بولايتي الخرطوم والجزيرة، ولم تشمل الحملات المصانع التي تعمل في بقية ولايات البلاد.
* النسبة مرعبة، وتؤكد أن غالبية الحديد الذي استخدم في تشييد المباني العامة والمنازل السكنية خلال الفترة الماضية لم يكن مطابقاً للمواصفات.
* في مطلع فبراير الماضي فتشت الهيئة (15) مصنعاً، وأخذت منها (37) عينة، فاتضح أن (20) منها غير مطابق، في بداية شهر أبريل تم تنفيذ حملة ثانية، زارت فيها الهيئة (70) مركز بيع، وأخذت منها (154) عينة، وكانت المطابقة (41) فقط، في مقابل (113) عينة مخالفة!
* وزير رئاسة مجلس الوزراء، أحمد سعد عمر أكد أن عدد المصانع التي انتهكت المواصفات بأقل من (50 %) بلغ (13) مصنعاً من مجموع (14) شملتها حملة تفتيشية جرت في الشهر الماضي.
* أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، ومع ذلك نذكر أن نتائج تلك الحملات ينبغي ألا تقتصر على تدوين بلاغات في نيابة حماية المستهلك ضد المصانع المخالفة، بل يجب أن تمتد لتشمل تحديد الكميات المباعة من الحديد غير المطابق سابقاً، والمباني التي شيدت بها، لمراجعتها، كي لا تنهار على رؤوس سكانها، بسبب تسليحها بحديد (مضروب)، مع ضرورة تعويض ملاكها عن الغش الذي تعرضوا له، وإلزام المصانع المخالفة بتحمل كلفة الهدم وإعادة التشييد.
* لا يجوز السكوت على تلك الممارسات الخطيرة أبداً، ولا ينبغي للهيئة ونيابة حماية المستهلك وبقية الجهات المسؤولة أن تطوي صفحة ما حدث سابقاً، وتركز على المخالفات الآنية، لأن ذلك سينتج آثاراً كارثية، على كل مبنى تم تشييده بحديدٍ معيب.
* ثقافة حماية المستهلك ينبغي أن تتطور في دولة تباع فيها كل أنواع البضائع المقلدة على الملأ، وتعرض في متاجرها السلع المضروبة على أرفف المتاجر علناً، وبلا أدنى خوف من فحص أو تفتيش أو محاسبة.
* مئات السلع المستوردة، دخلت البلاد عبر منافذ رسمية، وبأوراق سليمة، وبإجراءات جمركية صحيحة، مع أنها مقلدة.. تعرض وتباع بصفة (تجاري)، وكأن الأصل في التجارة هو الغش.
* تفشي السلع المعيبة في أسواقنا يشير إلى خلل هائل، وتقصير مريع من الهيئة القومية للمواصفات والمقاييس، وينم عن ضعف مخل في أداء جمعية حماية المستهلك، مع أننا نلتمس لها بعض العذر، لأنها لم تجد من يعينها على أداء دورها، ولم تحظ بمن يساعدها على تثقيف المستهلك وتعريفه بحقوقه، وحمايته من الوقوع في براثن الغش والتدليس.
* قضية حديد التسليح المضروب ينبغي أن لا تنتهي بغرامات مالية، وعقوبات صورية.. تلك قضية (أمن قومي)، ينبغي أن تحظى بما يتناسب مع حجم الجرم المرتكب بحق كل من تم غشهم بسلعٍ معيبة، يشكل استخدامها خطراً داهماً على الناس في كل مكان.