محمد لطيف : الخبراء يحللون.. ملف الأمن الغذائي
بالأمس احتفينا بالأكاديمي الدكتور عثمان البدري في سياحة على خارطة تحركات السيد الحسن الميرغني ومسعاه لتحقيق الأمن الغذائي.. ونحتفي اليوم بقامة مهنية خبرتها ساحة الممارسة العملية في التصنيع الغذائي كما ظل حاضرا في منتدياتها كذلك، فنكمل الصورة مع أهل الاختصاص.. م. ل
أخي الكريم/ محمد لطيف وأنا أتابع بدقة عمودك المقروء على أخيرة اليوم التالي الغراء واحتفاءك الممتد بكنانة الأمن الغذائي الذي حمل رايته مؤخراً السيد/ كبير مساعدي رئيس الجمهورية الحسن الميرغني في مسعاه نحو الولايات محط آماله بحسبانها العروة الوثقى لكل طموح يزدري الجوع والفقر عبر الموارد المتاحة لنهضة زراعية تتبعها صناعة تحويلية لتحقيق القيمة المضافة وهي قمة ما يسعى إليه العصر للخروج من صادرات المادة الخام واستعادتها صنعاً بقيم مضاعفة وفقدان لناتج التصنيع من مواد تفيد الاقتصاد في جوانب أخرى.
ولكي تبدو الصورة أكثر وضوحاً فإن أي نهضة في المجال الإنتاجي أو الخدمي لابد من قاعدة يرتكز عليها هذا النشاط أو ذاك، ويأتي على قمة الأولويات البنى التحتية اللازمة والبحث العلمي المتطور ووفرة مستلزمات الإنتاج من المادة الخام والسلع الوسيطة ومواد التعبئة والتغليف والنقل والتخزين بشقيه الجاف والمبرد، لاعتبارات أبرزها أن العالم قد توافق على نهج يحكم مسارات الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني والصناعة التحويلية التي بلغ فيها درجة أطلق عليها السلسلة الإنتاجية تبدأ من الحقل وتنتهي بالمائدة وفي كل هذه المراحل تخضع للرقابة وتوكيد الجودة حرصاً على المعايرة القياسية وسلامة المستهلك أيا كان إنساناً أم حيواناً وحتى النبات في التوصيف العالمي، نزوعاً إلى الكيف بديلاً للكم الذي يشد انتباهاً عندما تصعد الإنتاجية إلى أعلى دون اعتبار للآلية التي جعلت منها رقماً يحُتفي به – فهناك حدود لمتبقي الأسمدة والمبيدات المستخدمة وهي مواد كيميائية تطبق بقدر حتى لا تزيد الجرعات الموصى بها لتصبح بقاياها في النبات والحيوان يتناولها الناس مع الغذاء وتضر بصحتهم وذلك بالضرورة يتطلب تقوية البناء القاعدي والهيكلي لمراكز البحث العلمي التي لم تعد جاذبة في بيئتها للباحثين من حيث الإمكانات المتوفرة والتدريب المستمر وبقية المعينات، مما شجع كثيراً من الباحثين على أن يهجروها لأسباب تتعلق بمعاشهم، وقد كان التوسع في التعليم العالي خصماً عليها من حيث استقطابه لأعداد منهم كحاضنة أفرغت هذه المراكز من عناصر الخبرة.
الأمن الغذائي ليس في حاجة لاكتشاف الموارد وتحديد مواقعها وحدودها، ولا يحتاج لدراسات لبناء الخطط وتصميم البرامج الممرحلة لإنفاذها. فقط نحتاج إلى بعث لهذا الشعار عبر معالجات لا تجد حظها في قائمة الأولويات.
نحن نعاني من شح مستدام في بنيات الري؛ أيا كان انسيابيا أم آلياً، ونعاني من غياب للإرشاد الزراعي والتدريب والالتصاق بالأرض، وعلى رأس هذه القائمة التمويل الذي أصبح هاجساً يؤرق طالبيه ويحمل في جوفه من المخاطر ما ندركه جميعاً.. نعاني.. من غياب التقانات الحديثة والعالم قد بلغ من حولنا تقانة (النانو) في إنتاج الغذاء. ألا يكفي هذا المناخ الطارد لما عرف بالاستثمار؟ تقاطع في القوانين بين الجهات المعنية به وتضارب في الاختصاص ومعاناة يتكبدها المستثمر جيئة وذهاباً رغماً عن متغيرات عددٍ، فالذين حطوا رحالهم لم تجد رغبتهم البيت الذي يأويها فأعادوا انتشارهم صوب مراتع تجاورنا بحثاً عن الفرصة المواتية بعيداً عن حر الصيف وقطوعات الكهرباء وندرة المياه وما أدراك ما بؤر السماسرة والوسطاء لبلوغ الغايات. وكلها جملة من المهددات يتربع على عرشها ذلك السيد المدعو الدولار!
إن الأمن الغذائي لن يحققه ملف أسند إلى زيد أو عمرو إذا كانت الرمال تتحرك تحت أقدامه، ولا أقل من الركود إلى سدة الرشد في تحريك الحلول الناجعة لما يثقل كاهل الوطن من سهام ينزف معها حتى تلتئم جراحه وشمله فتعاد صياغته على أسس تصلح أن يُشيد عليها بناء متكامل لا تهدده العواصف ولا تذروه الرياح.
م. محمد عبد الماجد محمد mohamedabdelmagid11@gmail.com