الصادق الرزيقي

انتصارات وسلام.. فتحية.. غطاء الرحمة عليك..

> هذه الأيام تقوم القوات المسلحة بعمليات حاسمة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتم تحرير عدد من المناطق في الولايتين ولم تعد قوات قطاع الشمال في الحركة الشعبية إلا مجموعات من الفارين الهائمين على وجوههم وسط الجبال، وتحولوا لمجموعات متفرقة تنهب وتعتدي على المواطنين شأنها شأن كل متفلت يائس، بينما تلعب السياسة في مسارات اخرى أدواراً مهمة، بالتنسيق مع القوى الإقليمية لحث الحركات المتمردة في دارفور للانضمام الى وثيقة الدوحة، ودعت الوساطة القطرية رئيسي حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي للتشاور معها، ورحبت الحكومة بالذي يجري في الدوحة وأكدت تمسكها بوثيقة واتفاقية الدوحة ودعت قادة الحركتين الى الموافقة عليها وتوقيع خارطة الطريق، وفي ذات الوقت لا يمكن اعتبار لقاء السيد الصادق المهدي بالوسيط الإفريقي خطوة للوراء، فما صدر عن المهدي رغم اضطراب بيان الناطق باسمه وتناقضه، إلا أن الخطوة في ذاتها تعتبر تقدماً الى الأمام في المسار السياسي لحل الخلافات بين الحكومة ومعارضيها. > لا فائدة على الإطلاق في سلام منقوص ولا تحرسه البندقية، فما تقوم به قواتنا المسلحة وقوات الدعم السريع في كل المناطق، سيجبر المعارضة المسلحة ومن يحملون السلاح على الإذعان لصوت العقل والانصياع للسلام وقبول ما تقوم به الوساطتين الإفريقية والقطرية كل في مسارها، فالآلية الإفريقية رفيعة المستوى لديها خارطة الطريق التي وقعت عليها الحكومة في إديس أبابا، ومنبر الدوحة لديه الوثيقة التي بموجبها تم السلام في دارفور ونجحت في تحقيق السلام بنسبة كبيرة وغالبة ووصلت الى أشواطها الختامية بإجراء استفتاء دارفور الإداري وسينتهي أمد وعمر السلطة الإقليمية بعد أسابيع قليلة كدليل على أن وثيقة الدوحة كانت رهاناً رابحاً أفضت الى ما أفضت إليه. > من يتابع ما يدور في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، ونتائج العمليات العسكرية للقوات المسلحة، يشعر أن السلام بات قريباً عندما يتم تحرير كل المناطق التي كانت تتواجد بها قوات المتمردين ويتم تنظيف أوكارهم ومخابئهم، فكل شيء أصبح قريباً جداً قاب قوسين أو أدنى. فتحية موسى.. > كأنها كانت تعلم سر الوجود، وأن الدنيا دار ممر.. عاشت فيها كالطيف، حرصت ألا تغضب أحداً وألا تسيء لأحد طوال عمرها القصير، تحلت بمكارم الأخلاق وكرائم الخصال، حتى آخر لحظة في حياتها عندما أغمضت الي الأبد عينيها في لحظة من ساعات الفجر البارد في مدينة كرن الإريترية وهي في طريقها مع زوجها الى مدينة أسمرا لقضاء شهر العسل ولم يمضِ على زواجها سوى أيام معدودات.. > أختنا الصغرى وزميلتنا فتحية موسى السيد، التحقت بـ«الإنتباهة» في سنواتها الأولى، جاءت بآمالها وأحلامها الكبيرة والصغيرة وقلبها النقي ونفسها السمحاء وأخلاق تسع الدنيا بما فيها، نبتت كالبرعم الغض في تربة الصحافة وازهرت ورودها في درب العمل الصحافي الشاق، وشقت طريقها بثقة عالية بالنفس، ولم تمضِ فترة قصيرة، إلا وصارت من أعمدة «الإنتباهة» ومعالمها وملامحها، في عملها وفي علاقاتها مع زملائها ومع المؤسسة التي تعمل فيها ومع كل من تعرف يعرفها، كانت أكثرنا مودة لزميلاتها وزملائها، وأصفى الناس فؤاداً، لا تعرف الضغائن ولا الحسد او الحقد او حظ النفس، وكل ذلك لم يكن غريباً على سمتها وشخصيتها ودخيلة نفسها، فهي سليلة أعرق الأرومات والأسر السودانية، تنتمي من ناحية الأم للسلطان علي دينار، وما أدراك ما السلطان علي (أدّضاب العاصي) ، ومن ناحية الأب للشيح إسماعيل الولي. > هذا الانتساب لأصلين راكزين، جعلها تجمع بين إباء النفس وعزتها، وسمو الخلق ورفعته وشيمة التواضع التي هي خصلة تنمي الي معاشر الشرفاء والاتقياء، ها هي تتسرب من بيننا كما يرحل وينسرب ضوء الشمس عندما يطويه الغروب، وتغادر كما النسيم خفيفاً.. لطيفاً.. شفيفاً ..، رحلت عنا هذه الأخت الكريمة والزميلة الصادقة الصدوقة الضاحكة المستبشرة في كل حين، دون وداع.. أو تلوح لإخوتها وأخواتها في «الإنتباهة» بكفها المسماح المخضوب وهي عروس لم تزل الفرحة بزواجها طازجة.. > العزاء فيها إنها بنقائها وحسن سريرتها وسيرتها، بين يدي بارئها وهو مليك مقتدر، وعد أمثالها من الصادقين الصديقين العافين عن الناس الكاظمين الغيظ، أن يكون أجرهم عليه، فهي من هؤلاء .. وهي الآن أمام غفور رحيم صفحاتها بيضاء كالنور وقلبها مترع بالخير .. نسأله ربنا الكريم ذو القوة المتين، أن يلحقها بجنانه العُلا مع النبيين والشهداء، وأن يجعل قبرها بكسلا روضاً من رياض الجنة، ويتقبلها عنده قبولاً حسناً ولا حول ولا قوة إلا بالله..