تناول الحوار الوطني علي عثمان طه.. الصائم يفطر عن الكلام
خلال رمضان الحالي، أفطر النائب الأول لرئيس الجمهورية سابقاً، القيادي في الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني علي عثمان محمد طه، عن الكلام، صام ، ثم حين أفطر تناول الحوار الوطني الذي يؤمن حزبه أنه ينطوي على حل كل مشكلات البلاد والعباد، بالانتقاد، انتقاد لم يتوارى عن أعين الإعلاميين وإن كان مبعثه ومظنه الإشفاق.
وصار ظهور طه في الآونة الأخيرة محل احتفاء إعلامي، فأحاديثه تخالف ما عرف عنه من هدوء مشوب ببرود لم يتكسر جليده إلاّ في مدافعات نادرات إحداها عن رئيسه عمر البشير إذ هدد بضرب رقاب من يتعرضون له بالسيف، وأخرى توعد فيها المهربين بنزع أرواحهم على يد القوات النظامية التي أمرها صراحاً بواحاً (أضرب واقتل).
ثوب جديد
مما قاله طه بعد مغادرته المنصب، أو لنكن أكثر دقة (القصر)، ورفع كثيراً من حواجب الدهشة، أنه ما كان يعرف شظف العيش الذي يكابده الأهالي، إلى أن تخلى عن المنصب أو تم اخلائه كما يتقول كثيرون، لا فرق.
زد على ذلك مذهبه باستحالة عودة الإسلاميين إلى عهدهم الأول وقوله (العودة فكرة تجاوزها الزمن)، ذلك بالرغم من لقائه عراب الحركة الإسلامية، حسن عبد الله الترابي، قبيل زمن يسير من رحيل الأخير إلى الدار الآخرة، في داره بالمنشية.
الحوار الوطني
في ضاحية سوبا، ومن قلب حديقة غناء، تخصه، قال طه لرهط من أعضاء الاتحاد الوطني للشباب السوداني ، إن تطاول أمد الحوار وتوصياته بدا يضيع الصورة الزاهية التي جرى التسويق لها وتشمل منتجات صياغة منهاج ينسرب في حياة الناس أو كما قال: (الهدف من الحوار أن يكون روحاً يومية تنسرب في وجدان الناس).
وستكون كليمات طه ذات وقع كبير على الحوار، ومؤكد أنها أكثر وقعاً وأشد تأليماً مما فعلته تصريحات الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي التي هدد فيها بمغادرة منصة الحوار حال استمر ترك حبل الحوار على الغارب، فيما بات القارب يتحرك بلا إرادة وإدارة ربما نحو شط، ولكن في الغالب نحو جبل.
البواعث
كما صدرنا، فإن حديث طه في الغالب صادر عن إشفاق على إخوانه، وعلى مشروع انتظره الكل لرفع البلاد من وهدتها، هكذا كما يحلو للساسة الايجاز والاختصار.
فكثيراً قد يضطرك التفكير خارج الصندوق، إلى أن تغادر الصندوق ذاته، ومن ثم تتشكل عندك زوايا رؤية جديدة. وهذا ما حدث لطه الذي بات بعيداً عن العمل التنفيذي المرهق والعالي الوتائر فاستعاد بعضاً أو كلاً من بريق المحلل والمنظر، وعليه يجب أخذ حديث صادر عنه على محمل الجد.
وصحيح أنه على الأرض، تأخر انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الجامع الذي يلملم شعث الطيف السوداني، ارتكازاً على مخرجات وتوصيات الحوار، وعاد الناس إلى التشاور في الدوحة وفي غيرها من العواصم، فيما تواصل المعارضة معارضتها للحوار الوطني وتعلن قبولها بمنابر أخريات تتوافر فيها شروط مشاركة موضوعية بأكثر مما يفعل حوار قاعة الصداقة.
أيضاً، تمسك الململة بأطراف أثواب المشاركين الذين انبعث أقواهم وقال (حزب المؤتمر الشعبي) إن للصبر حدوداً وإن الانتظار لا يمكن أن يستمر أبداً، فيما بقية الأحزاب لا تملك ضراً ولا نفعاً.
مخاوف
ربما انطلق طه في دعواه لتقويم مسيرة الحوار، من توجس الاسلاميين عموماً من تربص الأعداء بهم وهوانهم على الناس في عدد من البلاد حد أن إمساكهم بالسلطة لا يعصم عنهم الماء والغرق.
وبالتالي إن خرج طه، فليظل إخوته مكملين لمسيرة ربع العقد وزيادتها سنوات قادمات، قال أحدهم إنها قد تمتد لعقود، ولكن ذلك يحتاج إلى عقد وسلك ناظمين وإلى جعل الحوار الوطني أكثر جاذبية وديناميكية، هذا وإلا توقفت مسيرة الرفاق قريباً.
ولكن لمّا لا يكون الباعث في أحاديث طه، مخافة على الوطن، الذي إن فوت فرصة تأسيس سلام دائم ومستدام حالياً، فإنها قد لا تتأتى تارة أخرى؟
وهن
مما يضعف من أحاديث علي عثمان طه كثيراً إنها غير مسنودة بقوة المنصب، وسيتساءل رجل الشارع البسيط حين تطرق آذانه بلا شك: وأين كان الرجل على أيام قوته وعنفوانه؟ وبالتالي فإن الصادر عن الرجل أقرب منه إلى المناشدات من الرأي اللازم.
غير إنه وبغض الطرف عن مطلق الحديث، فإنه اتفق في نصوصه وعلى غير العادة مع حزب المؤتمر الشعبي والذي لا مجال لعودته إلى أحضان الوطني كما وتوافق في قوله مع أحزاب المعارضة التي تُكِنُّ عداءً للحوار وتنال كِفْلها من عداوة من يرون الحوار مخرجاً ويراه طه ضباباً.
صحيفة الصيحة