مقالات متنوعة

مؤمن الغالي : ضياء.. تلك أيام لا أعادها الله يا يوسف 1و2

ضياء.. تلك أيام لا أعادها الله يا يوسف 1

أزيكم يا أحبابنا الما في زيكم.. ومازلنا ومازال زورقنا يمخر عباب نهر رمضان.. وكنت أود أن نتجه كلنا.. بأرواحنا وقلوبنا.. وصلواتنا.. ودموعنا وابتهالاتنا.. صوب كبد هذا الشهر العظيم.. أن نترك (الإنقاذ) طيلة هذا الشهر في (حالها)… أن نوقع معها (هدنة) (هشة) تبدأ في غرة رمضان وتنتهي في الساعة السابعة والنصف من آخر ليلة في رمضان… لتنطلق مدفعيتنا وداناتنا وقنابلنا حتى في يوم عيد الفطر نفسه.. لا نتوقف من القصف والقصف المضاد إلا عند صلاة العيد وبعدها يشتعل السماء باللهب.. كنا نود ذلك ولكن (المشاكل) تأتي لك داخل أسوار نفسك.. والوجع يطرق أبواب روحك وعيونك في الحاح والحاف.. وحبيبنا ضياء هو الذي أثار كل تلك العواصف.. فكان لابد من هذه الكلمات، وكان لابد أن تكون تحت ذاك العنوان وهو (ضياء.. تلك أيام لا أعادها الله يايوسف).
أولاً… ضياء.. هو الحبيب الصديق الأنيق.. بل أنيق الحرف ثرى المفردة رصين وبديع العبارة.. الحبيب ضياء الدين بلال رئيس وقائد بأرجة (السوداني)، التي ما طوت دواليب ماكيناتها إلا وكان الحصاد إبداعاً وروعة وجمالاً.. أنا شديد الإعجاب بالحبيب ضياء.. يكاد لا يفوتني حرف واحد من نثره أو نطقه.. أٌقرأ له في نهم (المخلوع) وأشرب من جداول سلسبيله في شفقة (العطشان)، ولا أرتوي.. أتجول معه بل خلفه في كل ممرات الوطن، وهو يرسم بألوان الطيف قوس قزح لوحات فاتنة أو حتى (حزينة) حسب مقتضى الحال عن الوطن.. سعيد بكل موقف له أشتم بل أحس بطعم حلاوة الوطن، كان الأمر سياسة أو اجتماعاً أو ثقافة أو فناً أو حتى رياضة.. بالمناسبة أنا (أنزعج) مطلقاً ولا أعقب أبداً ولا أعتب على ضياء حتى عندما يكتب مشيداً أو منحازاً إلى صف (الإنقاذ) بل أقول في سري لا يهم هذا الموقف (يكف العين) هو مثل (صره الكمون) أو صورة (العقرب) مرسومة في بشاعة على سيارة فخيمة آخر موديل (لتخرج العين العنية والكافرة النصرانية)، ولتبطل سحر العيون الشريرة.. هذا هو ضياء الدين بلال.
أما تلك الأيام.. هي الأيام المفزعة التي هبت على الوطن لحظة إعصار الإنقاذ.. هي الأيام والشهور والأسابيع وبعض السنوات، وإن كانت قليلة التي مرت على الوطن وعلى المواطنين بعد الثلاثين من يونيو عام 89.. أيام مفزعة وساعات مخيفة وليالي موحشة ومتوحشة وأسابيع من الخوف ودقائق من الوجع.. وأيام من الرعب وساعات من الهول والأهوال.. ورياح عاتية هائلة ومربكة.. ما سكنت ولا هدأت إلا بعد حين من الدهر طويل..
ونواصل

ضياء.. تلك أيام لا أعادها الله يا يوسف«2»

أحبابي ياعيني أنا.. مرة أخرى شوق مطر وتحيايا تلال.. وسلام بحار.. ومرة أخرى أسعد بأن تصافح حروفي عيونكم الغالية.. وبالأمس حدثناكم عن (ضياء) من يكون وللذكرى وللتذكير إنه الحبيب الأنيق الصديق ضياء الدين بلال قائد وقبطان و(كابتن) بحارة (السوداني) الوسيمة والفخيمة.
وللذكرى ويا للهول فقد حدثتكم عن (تلك الأيام) وأعني بها أيام الرعب والخوف والفزع الأكبر والذي ينقص قليلاً من فزع ذاك اليوم الذي يكون فيه الناس كالفراش المبثوث، وتصبح وتصير فيه الجبال كالعهن المنفوش.. إنها أيام الإنقاذ الأولى حيث السماء تغطيها وتحجب نجومها سحب الخوف ومسكنة البصر عندما يرتد خاسئاً وهو حسير .. تبقى معنا فقط (يوسف).
و(يوسف) هو سعادة العميد آنذاك يوسف عبد الفتاح نائب والي ولاية الخرطوم، وهو الآن (اللواء) (م) يوسف عبد الفتاح والذي يشغل الآن وحسب قوله فقط رئيس الحوار المجتمعي في مدينة (بحري) وسبحان مغير الأحوال.. وآمنت بالله الذي إذا أراد أمراً أن يقول له كن فيكون.
والآن.. نربط الأحزمة.. و(نستعدل) الكراسي.. ونقلع.. وحبيبنا ضياء الدين يضيء الشروق.. و(فوق العادة) يكسر عادة التكرار والإعادة والرتابة.. هو أشد مهارة وإبداعاً وروعة من تلك الفاتنة المثقفة.. البهية المضيئة (ليلى رستم)، عندما كانت تضيء شاشة تلفزيون بيروت.. عندما كانت تنشر المعرفة وتنثر الدرر لتتساقط على المشاهدين (رطباً من القصص جنيا).. كانت ليلى تصطاد النجوم من المجرات، وتجلسها على مقاعد وصالون (نجوم على الأرض)، وكم من مرة ومرات وهبتنا الفرح وهي تجالس.. عبد الوهاب مرة.. وسميح القاسم يوماً.. ونزار ليلة.. ونفس ليلى كان لها برنامج آخر.. فقد كانت تلك (البت) المثقفة المتدفقة روعة ومعرفة لها برنامج آخر تستدعي فيه من أحشاء التاريخ ومن (بطنه) شخصيات شغلت الدنيا وشغلت الناس منذ ذاك الزمان وحتى اليوم.. كانت تستدعي شعراء وأدباء وقادة.. شرفاء وأوغاد خلدهم التاريخ تستدعيهم بأوامر استدعاء لمحكمة اسمها بل اسم برنامجها (محاكمات أدبية).. يا لروعة تلك الأيام عندما كان الوطن (يعوم) في الروعة ويستلقى سعيداً محبوراً على شواطئ المعرفة والمتعة وقريباً من ذلك.. الحبيب ضياء يستدعي من بطن التاريخ ومن أحشاء أيام بارحت ديارنا لم نأسف على (دقيقة) واحدة ولم نذرف دمعة واحدة على رحيلها يستدعي بطلها ونجمها الأوحد والأقوى والأخطر سيادة اللواء (م) يوسف عبد الفتاح لا يستدعيه إلى محكمة أدبية أو فنية أو سياسية أو أخلاقية يستدعيه فقط ليطل على الوطن مسترجعاً ذكرى وأحداث تلك الأحداث العاصفة أو الحزينة أو الخطيرة.. أو الهائلة.. أو المروعة.. مستنطقاً سعادة اللواء يوسف ليحكي بعظمة لسانه كل تفاصيل تلك الأيام بمرها ومرها ومرها.
تسمرنا وتسمرت عيوننا على الشاشة.. ونحن نسترجع مع سعادة اللواء تلك الأيام التي عشناها بل عاشتها الخرطوم تحت حكمه المطلق، والذي كان فيه الرجل سلطة (قبض) وتشريع وتنفيذ.. ولا معقب على حكمة ولا معترض على أوامره.. ولا معارض لصولاته وجولاته..
وبكره نرصد ما قال وفعل الرجل.