النيل.. ضحايا الماء البارد في اطراد.. بسبب زنقة رمضان
اضطر سائق حافلة نقل عام (روزا) يوم السبت الماضي للتوقف بصورة مباغتة مع بداية كبري الفتيحاب قبالة أم درمان.. قبل أن يكبح فرامل المركبة ألجمت الدهشة الركاب وعددهم أكثر من عشرين شخصاً، حين علا صراخ امرأة كانت ضمن ركاب الحافلة مرددة بالدارجة (الأمين ولدي بكون معاهم).. قفزت المرأة من باب الحافلة بمجرد توقفها، واتجهت نحو مجموعة من الشباب كانوا يحاولون الغطس في مياه النيل الأبيض تحت الكبري.
حاول الكمساري تنبيه المرأة لباقي قيمة التعريفة الذي تركته طرفه فلم تستجب ولم يقوى هو على إيقافها إلا حين ركض خلفها لأربع خطوات تقريباً.. ردد الركاب جميعهم بصوت عال الشهادة وتعوذوا حين فهموا من بعضهم البعض أن المرأة التي أجبر صراخها السائق على التوقف في مكان ممنوع الوقوف فيه وقطعت رحلتها التي لا يعلم أحدا عن وجهتها، اعتقدت أن ابنها بين الشباب الذي يعبثون في مياه النيل
حدث المتوقع
قلب الأم دليلها، هكذا تقول الأمهات، وبناءً على قاعدتهن تلك، فإن تلك الأم التي هرولت تبحث عن ابنها بين أولئك الشباب الذين كانوا قاب قوسين عن شفا الخطر على ضفاف النيل، كان قلبها محقا وصادقا، إذ وقعت بعد اثنتين وسبعين ساعة على صرختها أسوأ حادثة غرق خلال السنوات الماضية في ذات المكان الذي ذهبت تبحث عن ابنها فيه وراح ضحيتها عشرة شباب على الأقل في لمح البصر لا تزال جثامين بعضهم لم يُعثر عليها بعد، وقصة المأساة التي خطفت أرواح الشباب العشرة مطلع الأسبوع الحالي تمثلت في أنهم جاء للنيل ليبتردوا من حر شهر رمضان، وأثناء لهوهم البريء داخل المياه فاجأتهم موجة عاتية قدمت من بعيد، فزجت بهم إلى عمق المياه التي كأنها كانت تنتظر اللحظة المواتية، فجرفتهم جميعاً وأغرقتهم في لُجها ولم تعد للحياة أحداً منهم مرة أخرى، عدا سبع جثث منهم والبقية لا يزال البحث عن جثامينهم مستمراً حتى أمس الأول.
إهمال واضح
دون شك ليس وحدهم من ابتلعهم النيل بتلك الطريقة، فكُثر غيرهم راحوا ضحية لطيشهم وإهمال الجهات المنوط بها مراقبة النيل وحماية الطائشين في شهر رمضان، لكن مأساتهم هم أعمق وخسارتهم كبيرة لأنهم كان يمكن أن يتجنبوا الخطر لولا إرادة الله سبقت وحكمه قضى، فذهبت أرواحهم البريئة فداء لغيرهم، لأن الشرطة نبهت للخطر، وقررت إرسال دورياتها لمنع الجميع من الاقتراب من المياه هذه الأيام، خاصة وأن المناسيب ارتفعت كثيراً في ظل ارتفاع أيضاً في درجات الحرارة بحسب ما أوردته هيئة الأرصاد الجوية، ورغم أن التوجيهات صدرت للجميع بعدم الاقتراب من المياه بعد الحادث لكن العبيد مامون (مواطن) يرى أن من الواجب والحكمة وضع خطوط مراقبة للنيل منذ اليوم الأول لشهر رمضان وليس بعد الخسارة التي أصيبت بها الأسرة بفقدان فلذات أكبادها، إلا أن العبيد نفسه عاد وأعاب على الأسر عدم الاهتمام بأبنائها وتركهم يذهبون ويعودون دون توجيه أو تنبيه للأخطار. وأضاف: “كل أب وكل أم تعلم علم اليقين لو كان ابنها يذهب للنيل أو لا يذهب والواجب توعية الأبناء أو منعهم”.
عدد كبير
خسارة ثقيلة أن يكون هناك عشرة ضحايا غرق في يوم واحد بسبب عدم التوعية الكافية من مخاطر الاقتراب من مياه النيل لكل من لا يستطيع التعامل مع المياه في الحالات الحرجة.. هكذا ابتدر موسى الريح حديثه لـ (اليوم التالي) عن حادثة الغرق المشار إليها. وأضاف أن التوعية بمخاطر الاستحمام في مياه النيل ضعيفة وتكاد تكون معدومة، ولهذا بمجرد حلول شهر رمضان تجد مئات الشباب جاءوا للنيل بدون خبرة أو معرفة في الغطس، ومن فورهم يلقون بأجسادهم في عمق المياه التي كثيراً ما تبتلع بعضهم بصورة تكاد تتكرر سنوياً. ويرى موسى الريح أن الحل الوحيد هو الاهتمام بالتوعية بالمخاطر التي تحدق بمن يحاول الاستحمام في المياه العميقة، وأيضاً الحل هو أن تكثف شرطة الدفاع المدني وحماية المسطحات المائية من وجودها على الشواطئ بصورة دائمة لمنع الشباب من دخول الماء لأي سبب من الأسباب، أما إذا لم يحدث هذا فلن تتوقف كوارث غرق الشباب، وسوف تتكرر باستمرار بذات المأساوية.
الخرطوم – محمد عبدالباقي
صحيفة اليوم التالي