النيكوتين مخدر حقيقي!
نتابع مع د. أحمد عبد الله الحسن اختصاصي طب الأسرة ومدير برنامج مكافحة التدخين بمكة المكرمة..
توعيته وتحذيراته واليوم من منظور اقتصادي..
إلى رسالة د. أحمد:
* دقت كلية الأطباء الملكية البريطانية ناقوس الخطر بالنسبة للسجائر في آخر تقرير لها عن التدخين، مؤكدة أن النيكوتين الموجود في السجائر هو مادة إدمان قوية تعادل الهيروين والكوكايين، ومن ثم يجب إخضاعها للرقابة مثل المواد المخدرة.
– هل تخضع ظاهرة التدخين للتحليل الاقتصادي المجرد في تفسير سلوك المستهلك المدخن مثلها مثل أي سلعة أخرى؟ أم أن هناك بعداً آخر في المسألة وهو البعد الأخلاقي؟
نظراً للأضرار الصحية التي يسببها التدخين، وهل يؤدي الحد من الطلب على التبغ إلى الإضرار بالاقتصاد وأيهما أولى حماية صحة المجتمع أم صناعة التدخين؟
بدايةً نقول إن عدد المدخنين في العالم حوالي 1.3 مليار شخص ومتوقع وصول هذا الرقم الى 1.6 مليار بحلول 2025 وفقاً للمعدلات الحالية، وتزداد هذه النسب في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط في حين تنخفض في الدول ذات الدخل العالي. وبحلول عام 2020م سيكون 6 حالات من كل 15 حالة وفاة سببها الأمراض المرتبطة بالتدخين من الدول ذات الدخل المنخفض.
مشكلة التدخين أصبحت مشكلة عالمية ومما ساهم في انتشارها هو أن أضرارها الصحية لم تكن معلومة بالإضافة إلى الاستهانة بهذه الظاهرة على الصعيدين المحلي والدولي. حيث أصبحت صناعة تدر مليارات الدولارات على الشركات المنتجة وتوظف آلاف فرص العمل، حتى أصبح إنتاج صناعة التبغ جزءاً من الدخل القومي.
وقد تنبهت الدول مؤخراً إلى أضرار التدخين على الصحة العامة وارتباطه بأمراض خطيرة مثل السرطان والقلب والشرايين وجلطات القلب والمخ وغيرها، وما يترتب على ذلك من تكاليف إضافية في مجال الرعاية الصحية وخسارة في أيام العمل بسبب المرض، إضافة إلى فقدان القوى العاملة بسبب العجز الكلي أو الموت المبكر.
* والكثير من الدول بما فيها السودان لا تسعى بجدية لحظر تعاطي التبغ لأن ذلك يعني:
1/ فقدان آلاف الوظائف في صناعة وزراعة وتوزيع التبغ.
2/ انخفاض الدخل القومي في الدول المنتجة والمصنعة للتبغ.
3/ تقلص وفقدان إيرادات الحكومة من الضرائب على التبغ.
وهذا الأمر دفع الدول إلى اللجوء إلى بعض الإجراءات القاصرة في مكافحة التدخين مثل طباعة عبارة صغيرة في ركن مغمور من علبة السجائر تقول: (التدخين ضار بالصحة) في نفس الوقت الذي تشتد فيه الحملات الإعلانية لشركات التبغ.
ومن أكثر الإجراءات جدية هو حظر التدخين في الأماكن العامة والمواصلات، مع بعض القصور في التنفيذ.
طرق المقاومة:
في إطار مكافحة التبغ تتوفر لدى الحكومات مخاوف عديدة من مكافحته، لما لها من آثار اقتصادية، إلا أن هذه المخاوف لها ردودها التي تجعل منها مخاوف واهية لا تكفي للإقناع بتوقف الدولة عن مكافحة التدخين بطرق حاسمة وذلك على النحو التالي:
أولاً: إن انخفاض الطلب على التبغ لا يعني بالضرورة انخفاضاً في مستوى التوظيف بالاقتصاد المحلي، نظراً لأن الأموال التي أحجم المدخنون عن إنفاقها سوف توجه للإنفاق على سلع وخدمات أخرى وسيتم تعويض الفاقد في صناعة التبغ تلقائياً بواسطة صناعات أخرى.
تانياً: توضح الدراسات العلمية أن رفع الضرائب غير المباشرة على التبغ بنسبة 10% سوف يرفع الإيرادات بنسبة 7% بشكل عام حيث يكون ارتفاع الأسعار حاسماً في تخفيض الاستهلاك، خاصة في أوساط محدودي الدخل والمراهقين كما أن ارتفاع السعر يحفز المدخنين الحاليين على الإقلاع، كما أنه يحول ويمنع غير المدخنين من الوقوع في هذه الآفة.
ورغم ذلك لا ينبغي إغفال الآثار السلبية لفرض الضرائب وأهمها:
1/ نشوء ظاهرة تهريب التبغ بسبب ارتفاع السعر المحلي.
2/ آثار توزيع الدخل الناجمة عن الضرائب، حيث تقع نسبة كبيرة من المدخنين ضمن محدودي الدخل.
عليه فإن فرض الضرائب يجب أن يكون موضوعياً ومبنياً على أسس أهمها مستوى دخل الفرد وفئات المدخنين وغيرها من المعايير. وأن تستخدم الإيرادات الناجمة عن هذه الضرائب في التوعية الصحية للمجتمع وحماية الأطفال والمراهقين من التدخين، ومعالجة الأمراض المتعلقة بالتدخين وألا تستخدم حصيلة الضرائب في أنشطة أخرى كما تمارس الكثير من الحكومات. والله الموفق