عثمان شبونة : (في المعروف)..!
* كم من الأيام تمر دون أن ندركها بشيء من (الرحمة!) وكم من الساعات تزحف دون أن نختلس لأنفسنا برهة (خير) ولو بالقليل؟! إنها أزمنة كثيرة نهدرها في مقابل (أطماع دنيوية) ولهث مستمر نتجاوز به فعل الممكن من (المعروف)..! فمن أسلف المعروف كان ربحه الحمد (أو كما جاء في الأثر).
* ومن (بديعات) عمرو بن العاص؛ قوله: (في كل شيء سَرف إلاّ في إتيان مكرمة أو اصطناع معروف أو إظهار مروءة).
* عزيزي القاريء: لعل هذه الطائفة من الأقوال البهية البهيجة عن المعروف تدفعنا إلى اصطحاب (المكارم) في حركاتنا وسكناتنا.. أوتذكّرنا (بالربح) عوضاً عن (الخسران)..! ومن يُسرِ ديننا وسماحته يخبرنا الذي لا ينطق عن الهوى؛ أن نتقي النار ولو بشق تمرة؛ وأن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة؛ وألاّ نحقر من المعروف شيء (كما ورد في أحاديثه الشريفة).
* يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحبُّ إلىّ من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل).
* عزيزي القاريء: التفضل لا موسم له؛ ولا علواً نرجوه فوقه.. والتشبه بالكرام فلاح لنا في دار الفناء قبل دار البقاء..!
* جاء على لسان ابن عباس: (المعروف أميز زرع، وأفضل كنز، ولا يتم إلاّ بثلاث خصال: بتعجيله وتصغيره وستره، فإذا عُجِّل فقد هَنأَ وإذا صُغِّر فقد عُظّم وإذا سُتر فقد تمّم).
* وقال زيد بن علي بن حسين: ما شيء أفضل من المعروف إلاّ ثوابه، وليس كل من يرغب فيه يقدر عليه، ولا كل من قدر عليه يؤذن له فيه، فإذا اجتمعت الرغبة والقدرة والإذن تمت السعادة للطالب والمطلوب منه) .
* قال بزرجمهر: خير أيام المرء ما أغاث فيه المضطر، وارتهن فيه الشكر، واسترق فيه الحر.
* إن استرقاق الأحرار هو خلاصة المعروف.. وقريباً من هذا (الفضاء) كان تعجُّب المهلب: (عجبت لمن يشتري المماليك بماله ولا يشتري الأحرار بمعروفه) وقال: (ليس للأحرار ثمن إلاَّ الإكرام؛ فأكرم حراً تملكه) .
* جمع كسرى أصحابه؛ فقال لهم: على أي شيء أنتم أشد ندامة؟ فقالوا على وضع المعروف في غير أهله، وطلب الشكر ممن لا شكر له.
* وأبلغ ما جاء في المعروف قول أحد الكرماء:
ملأت يدي من الدنيا مراراً
وما طمع (العواذل) في اقتصادِي
ولا وجبت علىّ زكاة مالٍ
وهل تجب الزَّكاة على جوادِ؟
* حاشية: (العَوَاذلُ: جمع عَاذِل.. عذله: لامَهُ.. تعاذل القوم: لام بعضهم بعضا.. أما المثل “سبق السيفُ العَذَلَ” فيُضرب لما قد فات ولا يُستدرك). اللهم أجعلنا من المستدركين للبر.
* وكان يحيى بن معاذ يقول: (عجبت ممَّن يبقى معه مال وهو يسمع قوله سبحانه وتعالى: إِن تُقْرِضُوا اللَّـهَ قرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ).
* وقيل إن سفيان الثّوري ينشرح صدره إذا رأى سائلاً على بابه ويقول: (مرحباً بمن جاء يغسل ذنوبي).
* وكان الفضيل بن عياض يقول: (نِعم السائلون يحملوا أزوادنا إلى الآخرة بغير أجرة حتى يضعوها في الميزان بين يدي الله تعالى).
* اللهم أفتح علينا (بالمعروف) وجنبنا البخل.