عثمان شبونة : الأمل… على جناح أغنية..!
* اليأس (داء) فتّاك.. وفقدان الأمل ضرب من السقم ربما يعادل معاناتنا مع آلام الجسد أو يزيد.. وما زانت الحياة وهجة أرحم من الآمال العريضة في وجود الخير؛ طالما الرحمن قريب.. وأقرب الأحاديث إلينا تحثنا على الأمل؛ أي تنبهنا بسوء القنوط؛ كما نبهنا بذلك القرآن العظيم.
* كان الرسول الكريم في منتهى الحكمة حين قال: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل).. هذه صورة مثلى للتمسك بالحياة دون التفات لاشباح الهلع والتشاؤم..! إن الأقدار لم تكن لتصيب لولا أن حكمة الله (العادل) سبقت المصابين.. وتتفاوت محن الناس لتجمعها هذه الكلمة المشاعة بيننا (النصيب!).. لذلك ليس لنا من عاصم إزاء (مصائبنا) المقدرة؛ إنما لدينا بلاسم (التلطيف) والوقاية والتخفيف في (الصبر والأمل)..! لقد فطن الصالحون والحكماء والأدباء والشعراء إلى هذا الجوهر؛ فكانت النصوص التي انتجوها ــ وما أكثرها ــ كفيلة بحملنا نحو التصالح واليقين والسكون وإيلاف الحياة.. كما نضحت اشعارنا السودانية بكثير من (الحلم) والأحلام قرينة الأمل:
بشوف في شخصك أحلامي
ودنيا تفيض بأنغامي
وسحر الدنيا في عيونك
يبعد عني أوهامي
* هذا هو الفنان محمد وردي يترجم سحر الدنيا بلحنه الخلاب من كلمات الشاعر كمال محيسي.. وسحر الوجود ــ رغم زمانه القصير ــ يدفعنا للتمسك بهدب الأمل وإشهار الكرت الأحمر للأوهام المميتة..! وثمة بطاقة خضراء في هذه الضفة للفنان الطيب عبدالله:
بالأمل صبّرت قلبي
وعشت في دنيا الأماني
أهدهد الشوق بين ضلوعي
واترجم الآلام أغاني
* الأغنيات التي تحمل الآمال كثيرة.. مهما شابتها الآلام الحرّى فإن ذرى الأمل في الشعراء تظل الأعلى.. والشاعر رسول للجمال حتى في معية (الأوصاب) التي يعانيها.. وكم أشجتنا نصوص للأمل رغم ما فيها من (مرارة)… إن مرارة الأمل ــ رغم عصفها ــ مثل عسل الانتظار.. وبالتأمل كنت دائماً انتظر هذا (اللحن) لسرٍ فيه عميق؛ بصوت المطرب (الدافئ) العاقب محمد حسن:
أملٌ صليت في محرابه
وطويت العمرَ فيه والسنين
سجد القلبُ على اعتابه
يتمنى أن يرى الشك يقين
كم شربتُ المرَّ من أوْصَابِهِ
ليتني ما كنت بين الشاربين
* إذا كنا أمة تعاني وَصَب السنين.. وإذا كنا كأفراد تستبد بنا الأوجاع؛ فلا شك بأنه لا مفر لنا من الأمل وبساطه اللا نهائي.. ذلك الذي جعل الشاعر (أبو المعالي عبد الرحمن) يصلي في محرابه.. والصلاة في محراب الأمل هي (المجاز) الجميل الذي يقوينا في مواجهة الانكسار.. والأمل أحد خطوط الدفاع ضد الانكسار ومتلازماته فعلينا المقاومة به؛ لأن جبروت الهزيمة يبدأ بطرده من واقعنا وأحلامنا..!