تحقيقات وتقارير

أزمة الوقود… هل تتكرر مرة أخرى؟

مطلع شهر يوليو شهدت العاصمة الخرطوم أزمة وقود حادة امتددت نحو الولايات، ولأول مرة ينعدم الوقود بصورة مُلفتة حتى في السوق الأسود، إذ حدثت الأزمة بشكل مُفاجئ، وأحدثت زوبعة وإزعاجاً، خاصةً وإن توقيت الأزمة تزامن مع شهر رمضان.
تضاربت الأقاويل، حيث أكد أصحاب محطات الوقود خلال طواف (التيار) لمعرفة مدى تأثير الأزمة وأسبابها، أكدوا على أنهم لم يستلموا الحصة، وقالوا إن المشكلة ليست مالية إنما عدم وصول شاحنات النقل البترولية ما أدى لإغلاق عدد كبير من محطات الوقود، فيما تكدس سائقو المركبات العامة والخاصة أمام محطات الوقود التي لديها جُزءٌ قليل من الوقود بصورة مزعجة إلى أن فرغت الكمية وأغلقت المحطات في وقت مبكر.. أين المشكلة؟ هل نستمر على ذلك الوضع دون جهاز مراقبة وإنذار مبكر تفادياً للأزمات أم نحن نعمل في جو يفتقر لتوفير أبسط المقاومات وهي الوقود للمواطن؟ فبكم تقدر خسائر المصانع والسائقين ومن سيعوضهم في هذه الأزمة؟ وكذلك في القادمة؟ واذا افترضنا أن ما حدث ليس بأزمة كما أشارت وزارة النفط والتي أوضحت أنه شح ونقص في كمية الوقود فلماذا ننتظر حتى يُعاني المواطن من نقص في سلعة الوقود؟.

ويقول الخبير الاقتصادي ومدير القطاع الاقتصادي بوزارة المالية الخرطوم د. “عادل عبد العزيز”: سيستمر تكرار المشكلة في العام أكثر من مرة، إلا إذا تم التحوط استراتيجياً بإنشاء مخازن للاحتياطي (مستودعات) يتوافق ويتوازى مع حجم الاستهلاك في كل محلية، مُوضحاً بأن المُستودعات الحالية تغطي نصف الاستهلاك؛ لذلك سريعاً ما تظهر مشكلة نقص الوقود، فإذا كان الحل في بناء مُستودعات فأفضل أن نتجه لتوفيرها، خاصةً وإن هنالك زيادة في حجم السيارات، ما تزيد الاستهلاك بصورة يومية، وهنا تجب إلزامية التنسيق ما بين وزارة النفط لتوفير ما يغطي من استهلاك ووزارة التجارة والتي من شأنها استيراد السيارات لتتم المُقارنة بين الاستهلاك القديم والمُتوفر وحاجة الاستهلاك، وكذلك معرفة الاحتياج الحَقيقي للقطاع الصناعي، وذلك استناداً على المُشكلة التي ظهرت بصُورة مُفاجئة وهي انقطاع التيار الكهربائي مما أجبر القطاع الصناعي على التحول للاعتماد على الطاقة بالمولدات والتي يستخدم فيها الوقود بشكل أساسي، وهنا على وزارة الكهرباء والسدود قبل الخروج بإعلان البرمجة كان عليها الجلوس مع وزارة النفط لإمكانية توفير الوقود حتى لا يحدث أي خلل أو ارتباك، ولكن إذا كانت كل وزارة تحلق في اتجاه؛ فبالتأكيد ستتكرر الأزمة وتتفاقم دون أي علاج.

ونجد وزير النفط – في ذات الفترة مطلع يوليو – نفى وجود أزمة للوقود بالرغم من أنه خرج بعد أيام قليلة للإعلام ليؤكد إدخال خطة ناقل بالمَصفَى بعد مُعالجة التلف وهذه أم الأزمات، ففي كل عام تدخل المَصفَى الصيانة تحدث ربكة في واحدة من المشتقات البترولية وغالباً ما تكون الوقود والغاز، ويُصاب المواطنون بالهلع ويسيطر السوق الأسود على الموقف؛ فلماذا لا تحتاط الوزارة وتتحسب حتى لا تكون هنالك مشكلة نقص في الإمداد؟ أم ليس من الضروري مُعالجة الوضع والانتظار حتى تكرار المشكلة؟

والسؤال الذي يطرح نفسه: متى ستكون أزمة الوقود المقبلة؟ هل في سبتمبر كما عهدناها عند صيانة المَصفَى؟ وتستمر حتى يدخل الشتاء وهذا لزيادة الاستهلاك؟ أم نتوقعها في فصل الخريف لمشكلة الترحيل؟ أم الصيف تزامناً مع انقطاع الكهرباء؟ أم نتركها لقرارات وزارة التجارة الخاصة باستيراد السيارات؟ أم نتوقع أن تشهد البلاد أزمة في أية لحظة؟
ونجد أن إعلام وزارة النفط أكد عدم وجود مشكلة في حصة الوقود؛ إنما المشكلة ترجع لزيادة في السحب ووصل لـ (30%) وذلك لزيادة الاستهلاك، فإذا ارتفع السحب لـ (40%) أو(50%) هل سيرفع السودان الطوارئ، ويطلب المساعدة والمدد؟ وما هي أسباب الزيادة في الاستهلاك؟ وهل سيستمر الوضع بحيث تكون الزيادة طبيعية وأين ذهب هذا السحب؟

ولكن عندما نرجع لأزمة 2015 في شهر ديسمبر نجد أن وزير الدولة بوزارة النفط والغاز م. محمود محمد عبد الرحمن خرج بعدد من التصريحات أولها مُرتبط بزيادة السحب (30%)، إذ أوضح أنه بعد اكتمال الصيانة في المصفاة تمت إضافة (20%) من جميع المشتقات، وكشف عن وضع برمجة لعمليات الاستيراد؛ وفاجأنا بأن العام 2019 سيشهد تمزيق فاتورة الاستيراد، وبدأ في تصدير الفائض لأثيوبيا، ولم يكن يعلم بأن العام 2016 سيشهد أزمات مُتكررة في الوقود، وأضاف وزير الدولة أنه سيتم إنشاء مصفاة جديدة كتوسعة للمرحلة الثالثة بمصفاة الخرطوم لتبلغ السعة التكرار لجملة مصافي الخرطوم (150000) برميل في اليوم، والسعة التكرار الحالية (100000) برميل في اليوم ومع ذلك فالأزمات متكررة.
فيما أشار الخبير الاقتصادي د. محمد الناير إلى أن المُشكلة تتمثل في عدم تحديد حجم الاستهلاك الحقيقي لتوفير الاحتياجات، بالإضافة لعدم استغلال البلاد من تدني أسعار الوقود، خاصةً وان السودان يستورد الجازولين وهو الأكثر استهلاكاً، موضحاً بأن أسعار مشتقات البترول مرتفعة محلياً ولم تتراجع.. فمن الأفضل أن تستفيد من فارق الأسعار وتتجه لتوفير الوقود.

تقرير: منى فاروق
صحيفة التيار