محجوب عروة : مطلوب استفتاء عربي !
الاستفتاء الذي جرى في بريطانيا وفاز خروجها من الاتحاد الأوروبي هو في تقديرى رسالة احتجاج قوية أرسلها الشعب البريطاني لعاصمة وقادة الاتحاد القابعين في بروكسل وللدول التي تكون الاتحاد الأوروبي فالنسبة التي فاز بها الاستفتاء 52% ليست نسبة عالية تكاد تتناصف مع المؤيدين للبقاء في الاتحاد.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تعكس أمراً آخر في غاية الأهمية هو تكريس واحترام للممارسة الديمقراطية العريقة في بريطانيا منذ أن بدأت تتبلور عبر (الماقنا كارتا) في بداية القرن الثالث عشر ولنقارن ذلك بعالمنا العربي حيث الأنظمة تقوم بتزوير الاستفتاءات لصالحها مثلما تقوم بتزوير الانتخابات لحكامها وتعطيهم نسبة 99.9% من أصوات الناخبين وإن بدأت تخجل من ذلك في العقود الأخيرة وتنزل الى نسبة 80% بعد أن صارت النسبة الأولى مثيرة للضحك والتندر. الأمر الثاني احترام رئيس الوزراء لإرادة شعبه فقبل بنتيجة الاستفتاء التي من أهم نتائجها أن قرر التنحي عن رئاسة الوزراء بعد أشهر ولم يكنكش في كرسي الحكم كما يفعل حكام عالمنا العربي الذين يصرون على البقاء في السلطة حتى لو انهزموا في الحروب أو فشلوا في إدارة بلادهم وأذاقوا شعوبهم الويل والفقر والذل. وهذا عين ما يدعونا دائماً للقول إن النظام الديمقراطي هو أفضل من النظام الديكتاتوري والسلطوي فالنظام الديمقراطي ليس نظام ملائكة يخلو من الأخطاء ولكنه بطبيعته لديه الآلية لتصحيح الأخطاء وهو أساس الشورى في الإسلام وذلك بعكس النظام الديكتاتوري الذي يخلو من آلية التصحيح فالحاكم الديمقراطي يفرض عليه طبيعة النظام أن يفكر أولاً ويشاور ثانياً ويعرض قضاياه للمناقشة العامة خاصة في البرلمان قبل أن يتخذ وينفذ القرارات أو السياسات أما النظام الديكتاتوري فإن الحاكم يتخذ القرار والسياسة وينفذها أولاً ثم يفكر بعدها فيعرض الوطن للمخاطر والموارد للتبديد ويسكت عن الفساد والفاسدين.. نعم النظام الديمقراطي هو لجان تفكر وتجتهد وتتابع بالشفافية اللازمة والعقول والأيادي مشغولة بالبحث والقوى السياسية تتبادل الرأي وتتفاعل حوله ولكن في النظام الديكتاتوري العقول مشغولة بالتآمر وبالنفاق والحلاقيم مشغولة بالهتافات وتمجيد الحكام والأيادي مشغولة بالتصفيق والصحافة فيها تلعب عشرة بلدي..
ثم يا أيتها الدول والشعوب العربية المنضوية في الجامعة العربية منذ أكثر من ستين عاماً ولم تقم بالدور المنوط بها هل منها من يتجرأ ويطلب أن يستفتي شعبه يبقى فيها أم يخرج منها كي يرسل رسالة قوية أن هذه الجامعة هي الفشل يمشي برجليه ومجرد تجمع الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة ولا يملكون غير صراع المصالح الشخصية وأين يبقى مقرها ومن يكون الأمين العام وكأن هذه الجامعة مستودعاً للفاشلين والمجاملات لدرجة أن يعين مؤخراً أحد سدنة نظام مبارك المخلوع أميناً عاماً لها وكأن النخب في الشعوب العربية قد عقمت!! هل يعقل مثلاً في الاتحاد الأوروبي مثلاً أن يقدم وزير خارجية نظام شاوشسكو المخلوع أو غيره من الأنظمة التي سقطت في أي دولة ديكتاتورية أوروبية ليكون أميناً عاماً أو رئيساً لبرلمانها حتى لو كان عبقرياً؟ كلا ومليون كلا، ولذلك تتقدم تلك الدول وتقوى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً في حين تتخلف الشعوب والدول العربية وتهزم. وأخيراً حين تنتفض بعض الشعوب العربية وتسقط جلاديها يصر هؤلاء بأن يتحالفوا مع الشيطان ويستبدلوا القلم بالبنادق والفكر السوي بالتطرف ليبقوا في سدة الحكم كما نشاهد اليوم..