د. عبد الله ابراهيم علي : الماء ثروة لا تضيعها
الماء هو حياة النفوس، والإنسان لا يستطيع أن يعيش بدونه، والدليل أنه من أكبر الضرورات لإقامة الحياة بعد الهواء، لهذا السبب كانت حاجة الجسم إلى الماء ضرورية، ويعتقد البعض أن شرب كمية كبيرة من الماء يساعد في إنقاص الوزن، والحقيقة أن الجسم لا يستفيد من كميات الماء الزائدة عن حاجته، والصحيح هو أن نشرب من الماء على قدر حاجتنا حسب وزننا بلا زيادة ولا نقصان، وهذا يقودني إلى ظاهرة لاحظتها بعد صلاة التراويح، حيث يأتي الخيرون بالماء للمصلين بالمساجد بقصد التقرب إلى الله ونيل الحسنات في هذه الأيام المباركات، فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح قلبه وزاد فرحه وعظم سروره، ولكن ما نلاحظه بمجرود وصول كراتين المياه، سرعان ما تختفي وتخلص الكمية، حيث يأخذ كل شخصٍ معه غرشة ماء حتى ولو لم يكن يحتاجها، ويضعها بين قدميه ويصلي، وقد يأتي من يريد الماء لعطشه، فيجد الكراتين فارغة أخذها بعض المصلين، والأغرب من ذلك، قد يفتح البعض زجاجة الماء ويشرب منها قليلاً ويتركها بالمسجد بعد انتهاء الصلاة، فأين تذهب فضلات الماء بالزجاجات؟ إلى براميل الزبالة أو على أرصفة الطريق، ولا يجرؤ أحدٌ من المارة لأخذ ما تبقى منها، إذن هذه الأيام وأثناء صلاة التراويح، نلاحظ فيها أن الماء هو تلك النعمة المهدرة.
فلنتعلم تقدير النعمة، فما من أحد يقبل أن يجلس في مجلسٍ لا يُقَدَرُ فيه، وإذا أحس بعدم التقدير غادر المكان، فهل نعتقد أن النعمة حينما تكون في يد أناس لا يقدرونها ستبقى؟ لن تبقى بل عاجلاً أم آجلاً ستذهب، لذلك تقدير النعم سلوك يمارس وليس نظريات تُكتَب، وحتى يصبح هذا السلوك سلوكاً مُعتَقَدَاً به وممارساً من قبل أبنائنا والمحيطين بنا، علينا نحن الآباء والأمهات أن نمارسه أمامهم، لذلك علينا أن ندرب أبناءنا على حفظ الماء خصوصاً عندما يزيد عن حاجتنا، فنحن نطلب أكثر مما نحتاج ونشرب منه قليلاً ويرمي البعض باقي الماء، وهذا شائع في بعض المجتمعات، فلنطلب من الماء في حدود رغبتنا، وإن لم يكن بنا عطش لنترك هذا الماء لمن يستحقه، وبالتالي نكون قد عملنا على حفظ نعمة الماء، وهذا لا يتم إلا إذا كنا نحن معشر الآباء والأمهات القدوة الحسنة للأبناء، الماء هو مورد من الموارد، وهذه الموارد ليست لنا إنما هي ملك للجميع، فهناك مجتمعات محتاجة لهذه الموارد الزائدة عن حاجتنا، ولنعلم أن الإنفاق أفضل ما يكون في رمضان، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان).
لنحافظ على نعمة الماء ونتجنب هدرها وسكبها والعبث بها، والماء ثروة يجب أن نحفظها، كما هي أفضل الصدقات على الإطلاق، ولندعُ لأنفسنا وأهلنا بقبول صيامنا وقيامنا، ولنحذر الفتور في وقت الغنائم وفي أزمنة السباق، مضى من عمرك ما مضى، فإن أحسنت فزد، وإن أبتعدتَ فعد، وإن فترت عزيمتك فتذكر قوله تعالى “أياماً معدودات”، وإذا دعوت الله أن يبلغك رمضان، فلا تنسَ أن تدعوه أن يبارك لك فيه، فليس الشأن في بلوغه، وإنما الشأن ماذا ستعمل فيه، اللهم بلغنا رمضان وبارك لنا في أيامه ولياليه، بلوغاً يغير حالنا إلى أحسنه ويهذب أنفسنا ويطهر قلوبنا.
أخيراً بالماء أسقي لك الأشجار وأجمل الأزهار، فيا أخي الصغير لا تهدر الكثير، فماؤنا العليل وجوده قليل.